تقرّ أوساط مقرّبة من الحكومة العراقية بأن ملف النازحين يمثل "صداعاً دائماً" في ضوء تحديات جمة، تواجهها السلطات في سبيل إعادة توطين السكان الذين فروا من مناطقهم، بعد اجتياحها من تنظيم "داعش" في صيف عام 2014. ولا تخفي أطرف حكومية أن ملف التوطين لا يقل تعقيداً عن عمليات التحرير، التي تقوم بها قوات الأمن العراقية، لطرد العصابات الإرهابية، إلا أن ما يزيد من صعوبة هذا الملف، نقاط عدة من أبرزها السياسات التي يتبعها "داعش"، ومنها ما يتعلّق باختراق صفوف المدنيين وتجنيد أطفال ونساء لمصلحته، الأمر الذي يدفع بالحكومة إلى التشدد في إجراءات إعادة النازحين إلى المناطق المحررة، خوفاً من احتلالها مجدداً. وبين الحين والآخر، تتحدث تقارير أمنية عن تسلّل إرهابيين من "داعش" إلى مدينة بغداد ومدن أخرى من وسط العراق، عبر انتحال صفات وهمية والاختباء بين النازحين، وقد تكرّر هذا الأمر وخصوصاً في مناطق "حزام بغداد" وشمال بابل وجنوب صلاح الدين. ودائماً ما تقود التحقيقات، التي تجريها السلطات الأمنية بعد أي تفجير يضرب المدن العراقية، إلى وجود خلايا متصلة بـ"داعش"، الأمر الذي يسري أيضاً على التفجيرات التي استهدفت، أخيراً، العاصمة العراقية (مدينتي الصدر والشعلة) وتفجير محافظة بابل (وسط العراق)، وقضاء المقدادية التابع لمحافظة ديالى (شرق العراق).
يتسلّل الإرهابيون إلى بغداد وغيرها عبر الاختباء بين النازحين

وقد أدى كل ذلك إلى تصاعد الجدل بشأن الإجراءات التي تتخذها الحكومة لمنع تسلل عناصر من "داعش" إلى مناطق محررة. وفي هذا السياق، أوضح غانم الخفاجي وهو خبير أمني من بابل، أن "المعلومات الأولية تشير إلى أن التفجير الذي استهدف أحد مداخل المدينة، قامت به أطراف انطلقت من منطقة البحيرات التابعة لجرف الصخر شمال بابل (أحد أبرز معاقل "داعش" قبل أن يجري تحريرها في تشرين الأول 2014)".
وقال الخفاجي لـ"الأخبار" إن "المخاوف من تسلّل الإرهابيين مع النازحين كما حصل في مناسبات سابقة تضاعفت، لأن طبيعة التفجير الذي نفذ في بابل لا يمكن أن يجري إلا بوجود وكر لداعش قريب من المدينة، وهو على الأرجح في منطقة البحيرات".
وأشار الخفاجي إلى أن "الاعتداءات الأخيرة دفعت بالحكومة المحلية، كما هو متوقع، إلى التريّث في إعادة النازحين إلى جرف الصخر، على اعتبار أن داعش لا يضع خطوطاً لأساليبه، كما يستغل الأطفال والمجانين في إرهابه، وخصوصاً أنه لم يتخلَّ عن خططه في استغلال الظرف الإنساني للنازحين للتسلل معهم، والعودة إلى نشاطه في مناطق خسرها على يد القوات الأمنية والحشد الشعبي".
وكان تنظيم "داعش" قد تبنى أربعة تفجيرات استهدفت، على التوالي، في منطقتي الشعلة والصدر في بغداد، في 25 و28 شباط الماضي، وأيضاً في المقدادية في 29 شباط، وتفجير نقطة تفتيش في بابل في السادس من الشهر الحالي.
من جهته، كشف رئيس اللجنة الأمنية في شمال بابل ثامر ذيبان عن معلومات تفيد بنيّة "داعش" تكرار التفجير، الذي ضرب المحافظة مطلع الأسبوع الماضي، بالانطلاق من مناطق كان يتمركز فيها سابقاً، في إشارة منه إلى ناحية جرف الصخر ومنطقة البحيرات. وقال ذيبان لـ"الأخبار" إن المعلومات المؤكدة تشير إلى تزايد نشاط الخلايا النائمة في مناطق شمال بابل، بالتوازي مع نشاط "ولاية الجنوب" التابعة لـ"داعش"، مع وجود فسحة حرية لعمل الخلايا الإرهابية بين مناطق جنوب بغداد وشمال بابل.
وكان رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بابل قد أفاد بأن "الأجهزة الأمنية في المحافظة تجري مسحاً شاملاً للنازحين من مناطق شمالي بابل لبناء قاعدة معلومات متكاملة عنهم، لكونها لن تسمح بعودة أي من الذين تلطخت أيديهم بدماء العراقيين".
ويذكّر الهاجس الذي يتحدث عنه مسؤولون محليون في بابل، في ما يتعلق بعلاقة الخروق الأمنية باستغلال "داعش" للنازحين، بناحية يثرب التي تتبع قضاء بلد جنوب صلاح الدين (شمال العراق)، حيث يبقى ملف النازحين عالقاً حتى الآن، بسبب ما أفاد به مسؤولون عن وجود أسماء تنتمي لـ"داعش" كانت تروم، في وقت سابق، العودة مع النازحين إلى الناحية التي تحررت ضمن عمليات تحرير صلاح الدين، قبل نحو عام.
وتحاول الحكومة العراقية اعتماد قاعدة بيانات رصينة تتمكن من خلالها من تمييز المدنيين من عناصر محليين ينتمون لـ"داعش"، وأعانوا التنظيم على احتلال مناطقهم والسيطرة عليها، بعد سقوط مدينة الموصل في حزيران 2014.
وبهذا الشأن، قال المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين ستار نوروز إن "العصابات الإرهابية حاولت استغلال نزوح العوائل لإدخال عناصرها عن طريق ادعائهم أنهم من النازحين". وأوضح لـ"الأخبار" أن الحكومة تعتمد إستراتيجية لإعادة توطين النازحين وضعتها وزارته بمشاركة عدد من الوزارات والجهات ذات العلاقة، وفيما أشار إلى أن "هذه الإستراتيجية تعتمد على أساس تأمين المناطق بعد تحريرها، وتنظيفها من المخلفات الحربية"، لفت إلى أن الخروق التي تحدث في المدن، وخصوصاً تلك القريبة من مناطق النزوح، تدفع بالسلطات إلى اتخاذ تدابير أخرى إضافية تؤخّر عودة المدنيين إلى مناطقهم.