في سوريا كانت الدروب تطول حتى يصل الأطفال إلى مدارسهم، وهناك كان عليهم أن يراقبوا بوجل يشوبه الحذر صورة قائدهم الرمز مثبتة على الجدران، بإطارات فاخرة وعناية فائقة، قبل أن يرددوا معاً الشعار الصباحي الذي يعد «عصابة الإخوان المسلمين العميلة» بالسحق، قبل أن يفصح عن تأهبهم الدائم لبناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد والدفاع عنه. ومن ثم تمتزج تلك الشعارات الطنانة التي ترهق مخيلاتهم الغضة بكلمات نشيد «البعث» (يا شباب العرب هيا وانطلق يا موكبي) التي رددوها بفرح ممزوج بحماسة تعرف المؤسسات التربوية السورية كيف تكرسها في نفوس روادها، ولو بشكل مفتعل.
مرت السنين ولم تختلف صورة مدارس الشام إلا قليلاً. تغيرت فيها ألوان الملابس من اللون «العسكري» والكاكي الداكن إلى الأزرق أو الزهري. لكن الواقع اختلف عن الشعارات ولم يُسحَق «الإخوان المسلمون»، بل ظهر من هو أكثر منهم خطراً، رافعاً وعده الأكيد بذبح النصيرية والصليبيين، وقطع رؤوس المرتدين علناً، طمعاً بحوريات أكثر تلاقيهم في جنان الخلد. هكذا، مهدت «جبهة النصرة» لظهور «دولة الإسلام في العراق والشام» (داعش) التي وقعت في مصيدة رواد مواقع التواصل الاجتماعي. ففيما هم يتابعون نشيد «داعش» الخاص على «يوتيوب»، كشفوا سرقتها لحن نشيد «حزب البعث العربي الاشتراكي» الذي لا يزال حاضراً في المناهج المدرسية السورية حتى اليوم. ورغم أن تاريخ نشر الفيديو على «يوتيوب» يعود إلى 30 كانون الأول (ديسمبر) 2011، أي قبل أن تتمدد «سيادة» «الدولة الإسلامية في العراق» نحو الشام، إلا أنه عاد للتداول على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحقق في الأيام الأخيرة تقدماً كبيراً في عدد المشاهدات التي قاربت 18 ألفاً. في شريط النشيد، الكاميرا مثبتة على مجموعة من مسلحي «الدولة الإسلامية» بأقنعتهم السوداء ولباسهم الميداني «الشرعي»، وهم وسط الرمال، لينشد أحدهم، ويرد «كورال» أبي بكر البغدادي: قام للإسلام صرحٌ في بلاد الرافدين /دولة الإسلام تبقى رغم أنف الحاقدين/مرت الأعوام خمساً في تحدٍّ وصمود/كم تخطينا صعاباً كم كسرنا من قيود/كم قطعنا من رؤوسٍ كم فللنا من حديد/كم بذلنا من نفوسٍ كم فقدنا من شهيد/نحن إن ننزل بساحٍ ساء صبح المنذرين/نحن بالذبح أتينا نسحق الكفر اللعين/نحمل القرآن جئنا نفرض التوحيد دين/نقتفي نهج الرسول والصحاب الأكرمين.
ينتهي النشيد بالعادة المعروفة وهي التكبير، ثم ابتهاج لا يكتمل إلا بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء. وبعيداً عن بؤس الشريط وافتقاره إلى أي إيجابية، فضلاً عن رداءة صوت المنشدين والدموية التي تعبّر عنها الكلمات، انهالت التعليقات لتشتم مبادئ هذه «الدولة» المفترضة، ومن ثم لتسخر من مخيلة التكفيريين التي اعتراها العجز الكامل، فلم تتمكن من تجاوز نشيد البعث، ولم تستطع تخطيه أو حتى تقليده دون استنساخه بشكل مفضوح. الأحرى بأمراء داعش أن يتفرغوا لجهاد الذبح وقطاف الرؤوس ومن ثم إحصاء عدد الحوريات الموعودات.
4 تعليق
التعليقات
-
لنكن اكثر حدرا في المرة القادمةنعم لم تستطع داعش وغيرها من هؤلاء انهاء الدولة السورية في هده المرة نعم رددنا هتافات كثيرة وسمعنا خطابات كثيرة وعشنا حياة ملؤها شعارات كثيرة نعم كنا امة تقوم على مبادئ مثالية وعالية وجميلة لكنها لم تكن سوى مبادئ مع وقف التنفيد ولم نكن نشعر بهدا الأحساس الوطني القوي ولم تستطع الدولة السورية ان تنتقل بهده المبادئ الي شعور وطني قوي يحمي شعبها من نفسه استطاع شيخ يرتدي لباس الدين ان يخترقنا لم يكن النظام والدولة في نظرنا سوى مجموعة من المخابرات والقوى الأمنية لم يستطع النظام في اثناء قوته ان يجدبنا وعندما احسسنا بضعغه رأينا ماكان من عنفوانه ومبادئه واكتشفنا ان السبب فيما نحن فيه بأننا كنا في وادي والنظام والدولة في واد آخر وهدا كان سببه المتطفلون المتملقون مرددي الخطابات دون العمل لا ندري في اي شكل سيحضرون في المرة القادمة ومازلت اعلم جيدا بأن الدولة السورية والنظام لابد ان يغير اسلوبه في بناء هده الدولة ادا اراد لها البناء وان يضغنا اخيرا على درب الديمقراطية والتقدم
-
ابتزاز مبتذلمن أطلق زعماء داعش الحاليين من السجون بعد أسبوع من اندلاع الثورة؟
-
آه على هالحالة !شعوب بلادنا تخرج من نير ظلم إلى نير ظلم أشد وأسوأ. كلما بدى وكأن البلاد على وشك الوقوف على قدميها، ظهرت ثورة أو انقلاب أو تم غزوها من الخارج. يأتي نظام عسكري فيحكم بالحديد والنار، تتم مواجهته بتيار قومي يقضي عليه ويصبح هو النظام، تتم محاربته هو الآخر بتيار ديني متطرف يسعى ليكون هو النظام التالي، وإذا ما سيطر في المستقبل، تعود الحكاية من البداية بانقلاب عسكري. كانت الرابطة في الدولة العثمانية هي الرابطة الدينية، ففتكوا بها بـ"موضة" القوميات وحق كل شعب بأن يكون له دولته المستقلة. ولكنهم اليوم يقومون بالفتك بكل الجمهوريات العربية ذات البعد القومي العروبي ليحولوها إلى دويلات دينية مذهبية، عبر "موضة" الثورات الجديدة، وتحت شعار أنه يحق لكل مزبلة أن تنصّب ديكاً حراً مستقلاً عليها، وإلا فالمذابح ستستمر. لا أحد يقرأ التاريخ ولا أحد يفهم ويعتبر، أن المذابح ستستمر في كل الأحوال، والأمثلة لا تعد من كثرتها، ولكننا شعوب نملك ذاكرة السمك. الرد على كل تلك الفتن يكون عبر الوحدة، لا أعرف تحت أي شعار (ديني، مشرقي، قومي، جغرافي وإقليمي)، ربما كانت المصالح المشتركة هي أفضل شعار. مصلحتنا جميعاً في وحدتنا، وإلا فسنصبح مثار سخرية شعوب أدغال أفريقيا لقرون قادمة
-
كم هو ظريف جمع الذبح والقرآنكم هو ظريف جمع الذبح والقرآن في بيت واحد !!!! ألا يستحون فعلا من جمع هذه الثنائية التي من المفروض ألا تجتمع !!! كيف وأنا الملحدة أزعجني هذا الجمع في دين يدين به أكثر من مليار إنسان ! ألا يزعجهم هذا الربط ؟! أي دين يدعو للذبح قد يدين به إنسان ، على المؤمنين أن يستعيدوا إسلامهم من هؤلاء الوحوش أو أن هذه العقيدة ستتكاثر لتقضي عليهم قبل غيرهم طالما هناك دولة اسمها السعودية ولديها مالا لاتعرف مواقع أفضل لتصرفه غير دعم هؤلاء ، استعيدوا دينكم من براثنهم أو قولوا عليه السلام ،