قبل نحو أسبوع، أطلق التحالف السعودي ما سماها «المرحلة الثانية من الخطة الأمنية في عدن»، حيث بدأت المجموعات المسلحة المؤيدة له بقتال تنظيم «القاعدة» في منطقة المنصورة في المدينة الجنوبية. منذ ذلك الحين أثيرت تساؤلات عن حقيقة توجه قوات «التحالف» ومسلحيه إلى محاربة التنظيم المتطرّف بعد سنة من غضّ النظر عن اتساع نفوذه في الجنوب، حيث بات يسيطر على أجزاء واسعة ضيّقت حتى مساحة حضور القوات الاماراتية والعربية التابعة لـ«التحالف».إلا أن أنباءً عن اتفاق جديد أُبرم أمس بين السلطة المحلية في مديرية المنصورة وقيادات في «القاعدة»، أزال الالتباس الذي خلفته المواجهات بين الطرفين، موضحاً أن انتقال قوات «التحالف» إلى المواجهة المسلحة مع «القاعدة» غير وارد على الأقل في الوقت الراهن. ويقضي الاتفاق بانسحاب عناصر التنظيم إلى مناطق أخرى، فيما تتولى «المقاومة الجنوبية» مهمات حفظ الأمن في المديرية.
قبل التفكير في قتال «القاعدة» على «التحالف» ترتيب بيته الداخلي

وعلى غرار ما جرى في المكلا قبل نحو سنة حين تسلّمت السلطة المحلية مرافق حكومية من «القاعدة»، أبرز ما جرى في عدن «التعاون» بين الطرفين إلى الواجهة.
وكانت أصوات القيادات المحسوبة على «التحالف» قد تخلّت منذ مدة عن اتهام الرئيس السابق علي عبدالله صالح بالوقوف خلف «القاعدة»، معترفةً بـ«ائتلاف الضرورة» بين «التحالف» و«القاعدة» الذي أملاه وجود «عدو مشترك» («أنصار الله» وقوات صالح)، على حد تعبيرهم. وأشار بعض هؤلاء إلى أن الأسلحة الثقيلة والآليات العسكرية والذخائر التي جرى تسليح القوات اليمنية الموالية لـ»التحالف» بها، وصلت أخيراً إلى أيدي «القاعدة»، إضافة إلى كون المرافق التي استولى عليها التنظيم قد وفرت مردوداً مالياً يعد الأهم في الجنوب اليمني، الأمر الذي فاقم من تمدد التنظيم وقوّى بنيته.
خلال الأشهر الستة من سيطرة «التحالف» على المحافظات الجنوبية، استفاد تنظيم «القاعدة» من استمرار المعارك التي خاضها «التحالف» ضد الجيش و«اللجان الشعبية» انطلاقاً من مناطق الجنوب التي كان فيها رأس الحربة في المواجهة والحضور الكثيف على الجبهات مراكماً من قدرته وانتشاره.
وبقيت الأدبيات السياسية والإعلامية لـ«التحالف» ومؤيديه حتى الأمس القريب تتجاهل وجود تنظيم «القاعدة» على الأرض، مسلطةً الضوء على عدو واحد هو الجيش و«اللجان الشعبية»، ومتعاميةً عن كون التنظيم يمثل خطراً مستقبلياً على الجميع. لم تتعلم السعودية من تجاربها مع «القاعدة» في أفغانستان والعراق، مكررةً التجربة نفسها في اليمن برغم الإشارات العديدة على أن «القاعدة» هو من يستثمر في ظل عدوانها.
حاولت السعودية إظهار أنها تقاتل «القاعدة»، فيما يصعب تصديق ذلك في ظل تكليف الإمارات مهمة ضرب «القاعدة» في الجنوب، في معركة تفوق حجمها وقوتها، والتلاقي مع التنظيم على مواجهة «أنصار الله». وكان هذا التلاقي قد برز على أكثر من جبهة من ميدي شمالاً إلى تعز جنوباً، حيث نعى الطرفان قبل أيام قتلاهم في المعركة نفسها غربي المحافظة.
لم تتخذ السعودية قراراً بمواجهة «القاعدة» لأسباب عدة، أولها فكرية وثانيها العقلية المتحكمة في إدارة العدوان المسكونة بهواجس تاريخية وسياسية وإقليمية، إلى جانب الاستعلاء الذي يعمي بصيرة قادته عن رؤية الأخطار المحدقة بهم.
كذلك، فإن أي قرار بمواجهة تنظيم «القاعدة» في الجنوب يلزم «التحالف» الكثير من العمل بعد فك الارتباط، كما إن أبسط مقومات القضاء على التنظيمات المتطرفة يستدعي ترتيب البيت الداخلي لـ«التحالف» الذي تتجاذبه الصراعات والنزاعات والاستغلال المناطقي والحزبي، فكانت أولى نتائج الاشتباكات التي شهدتها المنصورة هو الخشية من ارتماء قبائل «يافع» (التي تعد خزاناً بشرياً مؤثراً في الجنوب) في أحضان «القاعدة». ويتهم زعيم القبيلة عبد الناصر بعوه الملقب بـ«أبو همام اليافعي» الذي قتل شقيقه عبد الرحمن في المنصورة مع «القاعدة» بضربة جوية قبل أيام، بعلاقة بالتنظيمات المتطرفة، ما سيكون له تأثيرات مستقبلية على خريطة التحالفات في الجنوب، في ظل الخشية من تحول الصراع بين قبائل يافع وقبائل الضالع على النفوذ في عدن. ويبقى الصراع المفتوح بين الامارات وحزب «الإصلاح» (الاخوان المسلمين) مانعاً قوياً من ترتيب الوضع الداخلي وتوحيد قوى «التحالف» في جبهة واحدة لقتال التنظيم المتطرف. ولا يوجد أي مؤشر على قدرة الإمارات على التكيف مع وجود «الإصلاح» الذي يستفيد من التناقضات بين الأطراف، فضلاً عن خلافه مع الحراك الجنوبي بكل فصائله، برغم تمكنه من استمالة بعض قادته بالمصالح النفعية من دون استمالة قاعدته الشعبية.