كما هي العادة مع كل تعثر تواجهه المفاوضات الإسرائيلية ــــ الفلسطينية، يعمل الاسرائيلي على رمي الكرة في الملعب الفلسطيني، متهماً اياه بعدم استعداده لاتخاذ قرارات تاريخية، وهي العنوان الرمزي للمطالبة بتقديم المزيد من التنازلات الاستراتيجية والتاريخية، بالرغم من كل ما قدمه من تنازلات سابقة تتعلق بأكثر من 78 في المئة من ارض فلسطين، ومتجاوزاً المطالب والشروط التعجيزية التي يطالب بها.
وواجه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، ضيفه الأميركي وزير الخارجية جون كيري، الذي وصل الى اسرائيل بهدف محاولة إحداث اختراق في الطريق المسدود الذي آلت اليه المحادثات، باتهام الفلسطينيين بافتعال «أزمات مصطنعة» حول محادثات السلام. وعبّر عن قلقه من المسار الذي آلت اليه، مضيفاً أن «الفلسطينيين يحاولون من خلال هذه الأزمات التهرب من اتخاذ قرارات تاريخية تفرضها عملية صنع سلام حقيقي»، في اشارة الى مطلب الاعتراف بإسرائيل دولةً يهودية، بعدما ضمن في اتفاق اوسلو شرعنة الاحتلال الاسرائيلي لأغلب الاراضي الفلسطينية.
وفي ما يتعلق بقضية مواصلة الاستيطان بالتزامن مع تحرير الاسرى الفلسطينيين، والتي أثارتها السلطة الفلسطينية، أوضح نتنياهو لكيري أن اسرائيل تنفذ الشروط التي بدأت على أساسها المفاوضات قبل ثلاثة أشهر، معرباً عن أمله أن تساعد زيارته في قيادتهم الى مكان نستطيع فيه تحقيق السلام التاريخي الذي نسعى اليه».
وكان كيري قد أعلن بعد وصوله الى اسرائيل وقبل لقائه بكل من نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس: «جئت هنا من دون أي أوهام بشأن الصعوبات، لكنني جئت مصمماً على العمل»، معرباً عن اعتقاده بأن في الإمكان التوصل الى اتفاق.
ثم أعلن خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في بيت لحم، بعد لقائه الرئيس الفلسطيني، أن المستوطنات الاسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، غير شرعية، داعياً الى الحد منها لإنجاح المفاوضات.
وأضاف كيري أن عباس يتخذ موقفاً جدياً من المفاوضات مع الاسرائيليين وهو يعي ضرورة التوصل الى حلول وسط، معلناً تقديم الإدارة الأميركية مبلغ 75 مليون دولار إضافي لمشاريع البنية التحتية الفلسطينية. وقال، خلال حفل افتتاح شارع العين في مدينة بيت لحم أمس، إن هذا المبلغ يضاف إلى مبلغ 25 مليون دولار أعلنه سابقاً.
وسبق اللقاءات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي، بعد وصوله الى اسرائيل والأراضي الفلسطينية، انفجار الجلسة السادسة عشرة التي عُقدت بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني، حسبما ذكرت صحيفة «هآرتس» التي اضافت نقلاً عن مصادر فلسطينية قولها إن الممثلين الفلسطينيين صائب عريقات ومحمد اشتية وصلا الى غرفة المفاوضات في أجواء مشحونة، وانتقدا بشدة الإعلان الاسرائيلي لاستمرار البناء الاستيطاني في المستوطنات.
واتهم عريقات جهات حكومية اسرائيلية بالكذب عندما أعلنت أن البناء في المستوطنات جرى بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، مشيراً الى ان اسرائيل تقوم بذلك بشكل متعمد للمس بالسلطة الفلسطينية وبقيادتها عندما تنشر مثل هذه الرسائل.
وأكدت الجهات الفلسطينية أن السلطة مطلقاً لم توافق على معادلة الأسرى مقابل البناء الاستيطاني.
في المقابل، أكدت «هآرتس» أنّ من المتوقع ان يبلغ كيري الطرفين في حال عدم حصول تقدم في المحادثات، بأن الولايات المتحدة ستعرض أسساً أميركية للحل بشأن القضايا الجوهرية، الحدود والأمن والقدس واللاجئين والمياه والمستوطنات.
لكن بالرغم من ارتفاع الأصوات بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني، على خلفية الأزمة التي تواجهها المفاوضات، نقلت «هآرتس» عن مسؤول اسرائيلي قوله إن الطرفين أوضحا لوزير الخارجية الأميركية أنهما لن يتركا المحادثات، وأنهما سيلتزمان تعهداتهما بمواصلة المفاوضات المباشرة لمدة تسعة أشهر.
ورأى نائب وزير الخارجية الاسرائيلي، زئيف الكين، ان الفلسطينيين يبحثون كعادتهم عن ذريعة للهروب من المفاوضات، مضيفاً أن اسرائيل أوضحت للفلسطينيين أنها تنوي الاستمرار في البناء في القدس المحتلة وتوسيع المستوطنات، نظراً إلى الاهمية الاستراتيجية لهذا الامر. وحذر الكين من أن توقف البناء في القدس يعني فقدان الأغلبية اليهودية فيها.
لكن رئيسة حزب ميرتس زهافا غلأؤون، رأت أن نتنياهو رضخ لضغوط اليمين في مسألة البناء في المستوطنات. وأعربت عن اعتقادها بأنه لا يمكن التوصل الى تسوية سلمية مع الفلسطينيين في ظل الاستيطان.
في السياق نفسه، رأى وزير المالية، رئيس حزب «يوجد مستقبل»، يائير لابيد، ان قضية القدس ليست مطروحة على بساط البحث خلال المفاوضات مع الفلسطينيين، مؤكداً أنّ لن المدينة تُقسَّم. وأضاف لابيد في مقابلة مع الاذاعة الاسرائيلية، أن القدس تقع في قلب وصميم العقائد القومية والوطنية للشعب اليهودي وهي غير قابلة للتجزئة على حد قوله. ولفت الى انه إذا اراد الفلسطينيون أن تكون لهم دولة خاصة بهم، يتعين عليهم ان يدركوا أن ذلك ينطوي على دفع ثمن ولن يكون بإمكانهم الحصول على كل ما يريدونه.
من جهة أخرى، ذكرت صحيفة «معاريف» أنهم في تل أبيب يشعرون بأن الإدارة الأميركية تبذل كل جهد مستطاع للامتناع عن مواجهة مع اسرائيل، ولا سيما لأنها تحتاج الى الهدوء خلال المفاوضات بين ايران والقوى العظمى.
الى ذلك (رويترز)، نظم فلسطينيون يعارضون زيارة وزير الخارجية الأميركي الى الضفة الغربية احتجاجاً صغيراً أمس في مدينة بيت لحم قبل وصوله إليها لإجراء محادثات مع الرئيس الفلسطيني.
واتهم المحتجون الولايات المتحدة بالانحياز إلى إسرائيل في محادثات السلام الجارية، وطالبوا بوقف كامل للبناء الاستيطاني الاسرائيلي.