الخرطوم | نتيجة انخفاض سعر الجنية السوداني أمام الدولار الأميركي برزت خلال الستة أشهر الأخيرة ظاهرة زيادة عدد الممارسين لمهنة تجارة العملات رغم أن هذه المهنة بدأت في الظهور بصورة كبيرة عقب اعلان انفصال جنوب السودان عام 2011. وبلغ سعر الدولار في السوق الموازي 7,75 في مقابل 5,5 كسعر رسمي في البنك المركزي، فيما كان سعر البيع قبل اعلان استقلال دولة جنوب السودان 2,5 دولار. وعلى الرغم من أن الأمن الاقتصادي في البلاد يعتبر مزاولة مهنة الاتجار بالعملات الصعبة مهنة غير قانونية ولديه الحق في اعتقال أي شخص يتم ضبطه وهو يمارس عملية بيع وشراء النقد الأجنبي بتهمة هدم الاقتصاد القومي، إلّا أن الدولة تنادي بالسوق الحرة المفتوحة. ما دفع التجار الى ممارسة المهنة وضح النهار. يروي أحد كبار تجار العملة لـ«الأخبار» كيف أنه تم اعتقاله من قبل جهاز الأمن الاقتصادي أكثر من مرة، لكنه ما يزال ممارساً لمهنته. يقول: «في آخر مرة تم اعتقالي فيها في العام الماضي حُبِست لمدة شهرين من دون تقديمي الى المحاكمة».
ويُعزى سبب اتجاه معظم الشباب الى مزاولة مهنة تجارة العملة الى الربح السريع والكبير الذي يجنونه في أقصر وقت. يوضح سلاوي ،ع، أحد تجار العملة، أنه حقق أرباحاً كبيرة خلال ثلاثة أشهر فقط من ممارسته بيع وشراء العملة، مضيفاً «تمكنت من شراء سيارة فخمة ولدي سيولة نقدية اتحرك بها في السوق». أما عزام سامح (اسم مستعار)، تاجر عملة أيضاً، فيشير الى أن الظروف الاقتصادية الصعبة دفعت الكثير من السودانيين نحو العمل في تجارة العملة، بالرغم من عدم معرفتهم بهذا السوق وتفاصيله، لافتاً إلى أن المسألة تبدأ بطلب شخص ما من صديقه أو قريبه مساعدته في بيع مبلغ من الدولارات أو أي عملة أخرى، فيذهب هذا الصديق إلى أي تاجر عملة ليسأل عن سعر الدولار، ويقوم بوضع عمولته فوق المبلغ، وهكذا يجد نفسه يحقق أرباحاً فيواصل في التجارة.

تدهور رصيد الدولة

غير أن الخبير الاقتصادي محمد علي جادين، يرى أن أسباب ارتفاع أسعار العملات الأجنبية أمام الجنيه السوداني، ناتجة بشكل أساسي من تدهور رصيد الدولة من العملات الصعبة من المصادر المختلفة، وتحديداً من الصادرات، وذلك لأن عائد الصادرات غير النفطية ضعيف جداً، وتصدير النفط توقف بانفصال الجنوب.
ويُرجِع جادين التذبذب في أسعار العملات الصعبة إلى الاجراءات الإدارية التي يتخذها بنك السودان بضخ مبالغ كبيرة من العملة الصعبة من حين إلى آخر.
وفي ذات الوقت تقوم السلطات المختصة بمضايقة وملاحقة تجار العملة. ويضيف جادين أيضاً تأثير الوضع السياسي غير المستقر على ثبات واستقرار أسعار العملات الصعبة، مشيراً إلى تأثرها أيضاً بطبيعة العلاقة مع دولة الجنوب، تطوراً أو تراجعاً. غير أن السوق الرئيسي للدولار الآن أصبح في الخارج وليس داخل السودان، فعملية شراء العملات الصعبة من المغتربين السودانيين في الخارج أصبحت مجالاً للمضاربة خاصة بعد السياسات الحكومية في مسألة تحويل الأموال الى داخل البلاد واستلامها بالعملة المحلية. وبدأ معظم التجار يركّزون على العمل في دول الخليج وغيرها لشراء العملات الصعبة من هناك عن طريق مندوبين لهم في كل دولة.

الرابح الأكبر

ويحتاج المواطنون السودانيون الى العملات الأجنبية في المجالات التجارية لاستيراد السلع والبضائع كما يجد الطلاب المبتعثون الى الدراسة في الخارج أنفسهم امام تحدي الحصول على العملات الأجنبية، بالاضافة الى طالبي العلاج خارج السودان، حيث يخصص البنك المركزي مبلغاً بسيطاً وبعد اجراءات معقدة بهدف اثبات حقيقة سفرهم الى الخارج طلباً للعلاج، ما يضطر البعض الى اللجوء الى السوق السوداء (غير القانونية) لشراء ما يلزمهم من العملات الأجنبية.
وعلى الرغم من ان التجار هم الرابح الأكبر في تلك العملية، الّا ان بعضهم يشير الى معاناتهم أيضاً. فالتاجر أسامة محمد (اسم مستعار) يشير الى تأثرهم بارتفاع سعر الدولار أسوةً بالمواطنين، في ظل ارتفاع أسعار السوق وصعوبة المعيشة.

أزمة مُفتَعلة

ويسود اعتقاد واسع لدى الكثيرين بأن أزمة ارتفاع سعر الدولار المتواصل وتذبذبه، هي أزمة مفتعلة وليست حقيقية، باعتبار أن مجرد الإعلان عن اتفاق صغير بين السودان وجنوب السودان، من شأنه أن يؤدي الى انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه السوداني، وأن أي خلاف صغير أو توتر في العلاقة بين الجانبين يمكن أن يرفع سعر الدولار، ليبدو الأمر وكأن هناك من يسيطر على الدولار ويتحكم في أسعاره صعوداً وهبوطاً.