الخرطوم | في أولى جلسات الحوار بين مصر والسودان وإثيوبيا التي بدأت في العاصمة السودانية الخرطوم حول «سد النهضة» المثير للجدل، والذي تبنيه آديس أبابا على مجرى نهر النيل، لم يظهر أي مرونة بين الأطراف الثلاثة، إذ تمسّك كل واحد منهم بموقفه، وخصوصاً أن الاجتماع ضم وزراء المياه والخبراء الفنيين والقانونيين من الدول الثلاث.وفيما تمخضت المحادثات عن اتفاق إثيوبي سوداني وتحفُّظ مصري، شهدت الجلسة الثانية عرضاً إثيوبياً لإنشاء لجنة جديدة بين الدول الثلاث من شأنها التنسيق والمتابعة واستكمال الدراسات الفنية، ويكون أعضاؤها من الخبراء المحليين في كل دولة. وأصر الجانب الإثيوبي على أنه لا حاجة لاستكمال دراسات جديدة، إذ إن جميع الدراسات متوفرة وعلى الجميع التفكير في كيفيه إنجاح مشروع السد من دون تعطيله.
الجانب السوداني كان متفقاً مع نظيره الإثيوبي بنسبة كبيرة، حيث اتخذ مواقف تطابق رؤيته، إلا أن الوفد المصري الذي ترأسه وزير المياه، محمد عبد المطلب، اعترض على هذه الرؤية وأصر على تنفيذ توصيات اللجنة الدولية أولاً، ومن ثم الشروع في عمل آلية أو لجنة جديدة.
المصادر التي تابعت المفاوضات كشفت أن اعتراض مصر على رؤية الجانب الإثيوبي بدأ عندما طلبت إثيوبيا والسودان عدم وجود خبراء دوليين مرة أخرى في عمل اللجنة الجديدة، وهو ما رفضته القاهرة وطالبت بضرورة وجودهم كشهود أو ضمان لإثبات مخاوفها من تأثيرات السد السلبية عليها.
وعلّق الوفد المصري النقاش في أي تفاصيل جديدة عندما تضارب جدول أعماله مع جدول أعمال الوفد الإثيوبي، وطالب بفرصة جديدة لاستكمال النقاش. وتم بالفعل الاتفاق على عقد اجتماع ثانٍ في 8 كانون الأول المقبل في الخرطوم أيضاً.
من ناحيته، أبدى الجانب السوداني تحفظاً في الإدلاء بأي تصريحات صحافية حول موقفه من السد، واكتفى وزير المياه والسدود أسامة عبد الله، بقراءه بيان صحافي مقتضب قال فيه، إنه تم عقد الاجتماعات في أجواء من الإخاء والصراحة، وشمل النقاش أمثل السبل لتنفيذ التوصيات.
أما الجانب الإثيوبي فشدد على أن قرار بلاده لبناء سد النهضة هو قرار حاسم للحكومة والشعب الإثيوبيين، وأنه لم ولن يتراجع فيه.
وحرصت إثيوبيا على شرح وجهة نظرها إلى الشعب السوداني، إذ دعت السفارة الإثيوبية في الخرطوم كل الحركات والأحزاب السياسية والمفكرين والكتاب المعنيين بشؤون المياه والعلاقات الأفريقية، إلى ندوة موسّعه حول سد النهضة وآلية الاستفادة منه، و«كيفيه توفير الطاقة وجلب الخير للشعبين السوداني والإثيوبي».
الوزير المصري علّق قائلاً: «لم نتفق، ولكن سنعطي لأنفسنا فرصة لنتفق مرة أخرى»، مطالباً بوجود آلية ضامنة لتنفيذ الشواغل والمخاوف المصرية من السد. وأوضح أن هذه الشواغل هي كيفيه تشغيل السد وسنوات الامتلاء وتأمين السد ودراسات معدلات الأمان.
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء المصري، حازم الببلاوي، أن سد النهضة من الممكن أن يحمل الخير والرخاء لمصر.
ولا تزال القاهرة مترددة بشأن مشاركتها أو قبولها لسد النهضة بمواصفاته الحالية، حيث يعرقل الفنيون والقانونيون الملف من ناحية. وتحاول الحكومة سياسياً ودبلوماسياً دفعه من جهة أخرى، وهي تعمل على كسب ود إثيوبيا دبلوماسياً بعد تجميد نشاط مصر في الاتحاد الأفريقي، وتعاظم الدور الإثيوبي في القارة الأفريقية وتمثيلها وتوسطها في معظم قضايا شرق أفريقيا ومنطقة حوض النيل، حسب متابعين للملف.
في الوقت نفسه، أكدت مصادر متابعة لملف حوض النيل في الحكومة المصرية، أن مصر الآن تجني ثمار سنوات من الفشل في إدارة علاقاتها مع أفريقيا، فضلاً عن تأثير انشغال مصر حالياً بمشاكلها الداخلية وعدم الاستقرار، ما يؤثر على مدى ثقة الدول الأفريقية وخاصة دول حوض النيل بجديتها في التعامل معها أو الامتثال لمواقفها.
وتضيف المصادر إنه لم يعد لدى مصر بديل من المشاركة في السد الذي أصبح أمراً واقعاً، وانتهت إثيوبيا من إنشاء 30 في المئة بالفعل منه، لكن عليها أن تبحث عن وسائل جديدة لضمان حقوقها وتأمين مصادرها من مياه النيل، وإيجاد سبل دبلوماسية لإقناع إثيوبيا بالموافقة على ذلك.