صراع أُمراء «تنظيم القاعدة»، «الزعيم» و«أمير المؤمنين» و«الفاتح». على التوالي، هي ألقابُ كلٍّ من الشيخ أيمن الظواهري والشيخ أبو بكر البغدادي والشيخ أبو محمد الجولاني. الثُّلاثيّ الأشهر الذي ذاع صيته في عالم الجهاد والإرهاب الإسلامي، فرّقته أو تكاد، أزمة سوريا. صراع القادة هذا بلغ حدّاً لم يسبق له مثيل، ولا سيّما بعد خروج الخلافات الداخلية في التنظيم السري إلى العلن. كلٌّ يُطالب بالإمرة له، مستبقاً حتى التمكين (السيطرة على الأرض وإقامة أُسس الدولة). هكذا شُغل الجهاديون في العالم بخلافات أُمرائهم التي لم تُفهم سوى أنّها تنازعٌ على السلطة، فاستمعوا إلى مناظراتهم عبر اليوتيوب التي لم تلبث أن انقلبت نزاعاً على الأرض وفُرقة. وبعدما استوقف كثيرون آخر تسجيل مصوّر للشيخ الظواهري بداية العام الحالي الذي خرج فيه كـ«الحاكم بأمره مخاطباً الأمة الإسلامية على امتداد الكرة الأرضية»، وقعت الواقعة. استشعر قادة الجهاد خطراً على المكاسب التي حققوها بشقّ صف الفصيل الأقوى في الميدان السوري، فخرج أمير «دولة العراق الإسلامية» أبو بكر البغدادي، كاشفاً بعض أسرار تأسيس «جبهة النصرة لأهل الشام»، مُعلناً أنّ قائدها أبو محمد الجولاني «جُندي الدولة الذي كُلّف بتأسيسها نصرة لأهل الشام»، بناءً على طلبه بعد دعمه بالمال والعديد والعتاد. وبشكل مفاجئ، أعلن دمج الجماعتين تحت مسمّى واحد هو «الدولة الإسلامية في العراق والشام». إعلانٌ انعكس سلباً على «جبهة النصرة» التي كانت أنظار العالم حائرة بشأن صدق انتمائها إلى القاعدة. غير أن الجولاني الذي لم يُنكر فضل «دولة العراق الإسلامية وأميرها الشيخ البغدادي»، شاكراً وقوفها إلى جانب أهل الشام، رغم أيام العُسر، رفض طرح أميره، ورفع الأمر إلى زعيم تنظيم القاعدة الشيخ أيمن الظواهري الذي تدخّل للفصل في الخلاف، مقترحاً إبقاء القديم على قدمه حتى يُقضى الأمر بشأن النزاع المستجد. وقد خرج ذلك إلى العلن عبر تسريب رسالة الظواهري (التي عرضتها قناة «الجزيرة» أمس) في التاسع من شهر حزيران الماضي، حيث دعا فيها إلى «تجميد الوضع على ما كان عليه قبل الخلاف لحين الفصل فيه»، طالباً إلغاء «الدولة الإسلامية في العراق والشام» وإبقاء «دولة العراق الإسلامية» على اسمها وأميرها البغدادي، و«جبهة النصرة» كما هي وأميرها الجولاني، باعتبار أن كلا الشيخين أخطأ بحسب رسالة الظواهري. خطأ البغدادي إعلانه الدولة من دون مشورة وخطأ الجولاني إعلانه رفض الدولة وإعلان انتمائه إلى القاعدة من دون استشارة الظواهري. ولاحتواء النزاع أكثر، تطرّق الظواهري إلى «توقف الطرفين عن أي اعتداء بالقول أو الفعل على الطرف الآخر»، داعياً «جميع المجاهدين إلى تعظيم حرمة المسلمين في دمائهم وأعراضهم وأموالهم»، بل ذهب أكثر من ذلك. ورغم أن الظواهري قال إنه «لا يُعدّ خارجاً من ينتقل من جماعة جهادية إلى أُخرى ولا من جبهة لأخرى»، طالب «المجاهدين بالتوقف عن الخوض في هذا الجدال». هكذا أرسى الظواهري حلّه باعتبار الـ«ولاية المكانية» في سوريا لـ«جبهة النصرة» ويرأسها الجولاني، فيما حصر إمرة البغدادي في العراق. لم يرق الطرح البغدادي الذي بات يحمل لقب «أمير المؤمنين»، فخرج بتسجيل صوتيٍّ ناري حمل عنوان «باقية باقية باقية»، أعلن فيه رفضه للحل المطروح، مؤكداً أن «الدولة الإسلامية في العراق والشام باقية رغم أنوفكم». هكذا حلّت القطيعة، فأُخليت الساحة لـ«رُسل تنظيم القاعدة» الذين بدأوا جولاتهم على رموز بارزة في التنظيم بين سوريا ولبنان والعراق وباكستان وأذربيجان. وتردد أن «الشيخ البغدادي أوفد رسولين من قبله للمشاركة في المفاوضات الجارية لإنهاء النزاع»، لكن لم يخرج إلى العلن أي جديد في هذا الخصوص.
هذا في الخلفية. أمّا جديد التسجيل الصوتي لزعيم «القاعدة» الظواهري، فزعم أنّه يُعلن حديثاً إلغاء «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، معتبراً أن «جبهة النصرة فرع القاعدة في سوريا». ولم تلبث أن ضجّت منتديات جهادية بالتأكيد أنّه قديم باعتبار أنّ «محتوى التسجيل هو نفس محتوى الرسالة ذاتها المسربة والمنشورة في موقع الجزيرة قبل شهور». وفضلاً عن مضمون الرسالة، رأى الجهاديون أنّه «لا يُعقل أن يُصدر الشيخ الظواهري أي تسجيل بخصوص هذا الأمر، لأنه هو نفسه شجب واستنكر إظهار الخلافات إلى العامة والإعلام». وجرى التداول على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا سيما في الأوساط الجهادية والسلفية، بملصقات وصور وعبارات تُشدد على «رفض الفتنة التي يُحضّر لها بين المجاهدين». وقد نُشرت صورة حملت عنوان «إنما المؤمنون إخوة»، تضمّنت شعارَي «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة»، مذيلة بأنهم «أحفاد الصحابة. وإخوان في سبيل الله متحابون متآخون». كُتِب إلى جانبها عبارة «اللهم أبعد عن المجاهدين دُعاة الفتنة والتحريض».

يمكنكم متابعة رضوان مرتضى عبر تويتر | @radwanmortada




«أمير المؤمنين»

استمرّت الرسائل التي بُثّت عبر اليوتيوب موجّهة إلى الأمراء الثلاثة (الظواهري والبغدادي والجولاني) لإنهاء النزاع بينهم. وكان من أبرزها رسالة صوتية من أحد القياديين الجهاديين جرى تداولها على نطاق واسع في معظم المنتديات الجهادية التي تدور في فلك القاعدة. وفيها «إلى إخواني الشيخ أيمن الظواهري والشيخ أبي بكر البغدادي وأبي محمد الجولاني حفظهم الله وهداهم وإلى مجاهدي الأمة». وبرز في الرسالة قول مرسلها: «آثرت أن لا أذكر لي اسماً ولا كنية ولا لقباً. حسبي أني رجل من المسلمين. بارودتي في يدي وفي جَعبتي كفني. أبعث رسالتي من أرض الملاحم كي تتفكّروا في الأدلة الشرعية». فانتقد المرسل تأخّر الظواهري في حسم الأمر. ورأى أنّ «في الإرجاء مفسدة»، كاشفاً أنّ «الخطأ نفسه تكرر في غيرها من الساحات الجهادية». ووجه كلامه إلى البغدادي قائلاً: «ما أعلنته يا شيخنا البغدادي كان له نتائج سلبية على واقعنا الجهادي. وقد علمنا أنك استعجلت لتضمن وحدة التنظيم تحت قيادتك». ورأى أنّ «إطلاق مسمى دولة على تنظيم مهما كان شأنه، طالما أنه لم يتمكن من حكم البلاد بشرع الله، لا يمت إلى الحقيقة بصلة. وأنت تعلم أن من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه». وأضاف موجهاً كلامه إلى البغدادي: «لُقّبت بأمير المؤمنين وهذا لقب خاص بخليفة المسلمين وحده». ثم قال: «ذكرت نسبك الحسيني القرشي في موضع لا موجب فيه لذكر الأحساب والأنساب. فالقرشية شرطٌ للخلافة، لكنّها ليست الشرط الوحيد».