بدأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري جولته الأخيرة في المنطقة، بـ«زيارة مصر». في مطبخ القرار في القاهرة، ثار جدل عما إذا كان يجب الاعتذار عن عدم استقباله، لأن توقيت زيارته صادف يوم بدء الجلسة الاولى لمحاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي. بدا هذا التوقيت كافيا للايحاء بأن كيري يتوسط لمصلحة الاخوان المسلمين. ويقول تقرير دبلوماسي وصل إلى مراجع سياسية، إن تفسيراً آخر أعطي لتوقيت وصول المسؤول الأميركي إلى القاهرة، وهو الطلب من السلطات المصرية ألا تتوسع محاكمات مرسي لتشمل ملف علاقات الاخوان السرية مع الولايات المتحدة. ويشير التقرير الى صلة اهم بين زيارة كيري لمصر وزيارته للرياض. ويشير الى ان لدى واشنطن ثلاثة ملفات تتباين فيها مع السعودية: سوريا ومصر ومقاربة الملف الإيراني.
ففيما ينصبّ اهتمام الرئيس الأميركي باراك أوباما على تسوية للبرنامج النووي الإيراني على نحو سلس كما حصل مع الملف الكيميائي السوري، يبدو أن لدى الرياض اهتماماً اخر، وهو الحصول على ضمانات مسبقة من واشنطن بأن حوارها مع ايران لن يؤدي في أي حال الى اعتراف اميركي بنفوذ ودور كبيرين لها في جوارها العربي. وتحاول السعودية، لهذا الغرض، اعتماد سياسة سلبية على أكثر من ساحة في المنطقة لضمان ايجاد حاجة دولية لها لحل مشاكل في المنطقة، تقايضها بمطلب تقليم اظافر ايران الإقليمية.
ورغم ان الرياض مرتاحة لإبعاد «ثورة يونيو» المصرية «الاخوان» عن الحكم، الا انها غير مطمئنة الى ان الحكم المصري الجديد سيسير معها في نظرية بناء محور عربي في وجه ايران. فداخل الجلسات المغلقة، بحسب التقرير، طرح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بن سعود نظرية: 4 +2 (اي حلف دول الخليج الاربع: السعودية، الامارات، الكويت وعمان + مصر والاردن)، لكن القاهرة، حتى لو أرادت، فلن تكون جاهزة للانخراط في تحالف كهذا، وتحتاج الى نحو عامين لتكون قادرة على أداء دور اقليمي. ويكشف التقرير، في هذا المجال، معلومات «مستقاة من مصادر مصرية قريبة من الجيش وأجهزة الامن في القاهرة»، تفيد بأن إنهاء بؤر الارهاب في سيناء يحتاج الى عملية عسكرية واسعة ومستمرة من الجيش المصري تستغرق ستة اشهر، وهي بدأت بالفعل. اما فرض الاستقرار في مصر وكبح نشاط الاخوان فيحتاجان إلى عام ونصف عام، مع التشديد على أن هذه المواعيد افتراضية وغير نهائية. وإزاء ذلك تواجه العملية السياسية نوعاً من التعطيل الموضوعي، بانتظار ما سيؤدي إليه المسار الامني.

ايران وجنيف 2

وفي ظل تعقيدات الوضع المصري، تسعى الرياض الى الاعتماد على أوراق اخرى، ابرزها تصعيد حضورها المعطل للشراكة الاميركية ــــ الروسية حول مؤتمر جنيف 2، إذ ترى السعودية ان مشاركة ايران في هذا المؤتمر ستكون النافذة التي تدخل منها لتعميم الاعتراف الدولي، وضمنه الأميركي، بدورها النوعي في حل أزمات المنطقة. وخلال زيارة كيري للرياض قبل ايام، لمّح الفيصل أمامه إلى مواقف لها صفة المطالب، وذلك للمرة الأولى، منها ان عقد مؤتمر جنيف 2 بوجود ايران، يبرر مطالبة مجلس التعاون الخليجي بالمشاركة في الحوار الثنائي القائم بين طهران وواشنطن. ولا يصدق السعوديون الهمس الأميركي لهم بأن هذا الحوار لا يزال في مرحلة اختبارات النيات، إذ تقول معلوماتهم ان مساره مستمر منذ فترة في اليابان، التي تؤدي دور صندوق بريد رسائله السرية بين البيت الابيض والحلقة الضيقة في الحكم الإيراني.
ويؤكد التقرير ان زيارة كيري الاخيرة للرياض لم تؤد الى تهدئة خواطر السعودية، كما انها لم تبدّد تبرم واشنطن الخفي من اداء العجوز السعودي، وفيما عاد كيري واكد بعد لقائه الفيصل ان الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، فإن الرياض تريد كلاما حاسما من البيت الابيض، حسبما يقول دبلوماسي سعودي، حرفيته « كما ان الدور الإيراني الثوري في المنطقة مرفوض، فالحال نفسه بالنسبة إلى دور ايران الوسيط فيها».
وما تخشاه السعودية، بحسب التقرير، هو ان يصبح قياس الشراكة الأميركية ـــــ الروسية الناجحة حول الملف الكيميائي في سوريا، معمما على علاقتها مع ايران. لذلك تصر الرياض على الفصل بين التسوية السياسية في سوريا ومجريات ما حصل في الملف الكيميائي. وتطالب باجندة واضحة لـ «جنيف»، وهي تنفيذ بنود بيان «جنيف 1»، أي الذهاب إلى عملية انتقالية، مع إيضاح انها ستكون من دون الرئيس بشار الاسد، كما يريد السعوديون موقفا أميركيا أوضح من وجود حزب الله في سوريا، وهم يبدون قلقهم من تسريبات تتحدث عن موافقة واشنطن على حكومة في لبنان يتمثل فيها حزب الله بثلث ضامن (المقصود ٩-٩ -٦). وما يقترحونه هو إشعار الحزب بالقلق السياسي في لبنان طالما انه لم يخرج من سوريا.

السعودية والميدان السوري

ويلفت التقرير الى ان السعودية تلقت خلال الفترة الاخيرة ضربات قوية في الميدان السوري، ابرزها انهيار «لواء التوحيد» الذي عدّته كواليس استخبارية غربية، لفترة طويلة، الذراع الضاربة لمدير الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان. ويقلل التقرير من اهمية محاولة تعويض «لواء التوحيد» بفصيل جديد تحت مسمى «جيش محمد» او غيره.
وما يجعل السعودية معنية بتأجيل مؤتمر «جنيف 2» هو تطورات أخرى، ابرزها ان اللحظة الراهنة لا تشهد فقط تشتت المعارضة الخارجية السياسية، بل أيضاً المعارضة الداخلية المسلحة، اضافة الى انهيارات على مستوى صلابة موقف دول الجوار من دعم الحراك العسكري للمعارضة عبر حدودها. وتبرز في هذا المجال معلومات تفيد بان تركيا تمارس تقنيناً على ادخال السلاح والمسلحين عبر أراضيها الى سوريا. وبموجبه باتت تسمح بعبور افراد غير مسلحين، وتشترط ان يُسلَّموا السلاح داخل الاراضي السورية.