استغلت اسرائيل، الوقت المستقطع، الذي نتج عن تأجيل اتمام الصفقة مع ايران في محادثات جنيف، حول الملف النووي للجمهورية الاسلامية، من أجل مواصلة وتصعيد حملتها السياسية والاعلامية في محاولة منها للتأثير في مضمونها، إن لم يكن بالامكان الحؤول دون أصل تحققها. ولهذه الغاية استنفرت كافة الاجهزة السياسية والدبلوماسية والاعلامية لخوض معركة «إقناع» مع اصدقائها وحلفائها الغربيين بخطورة الصفقة التاريخية المفترضة مع ايران النووية، التي تمثل، بنظر تل ابيب، التهديد الوجودي الوحيد على الدولة. وكشف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في مستهل جلسة الحكومة أمس، عن دوره في إقناع قادة الدول الغربية بالتمهل قبل التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي، مشيراً الى أنه أجرى الجمعة والسبت، اتصالات هاتفية مع كل من الرئيس الأميركي، باراك أوباما، والرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الحكومة البريطانية، ديفيد كاميرون، شدد فيها على أن الصفقة، بحسب المعلومات الواردة إلى إسرائيل، سيئة وخطيرة، ليس بالنسبة إلينا فحسب، بل أيضاً بالنسبة إليهم وإلى السلام العالمي.

ورأى نتنياهو ان خطورة الصفقة تنبع من أنها «تخفف في لحظة واحدة من ضغط العقوبات الذي تفاقم خلال سنوات كثيرة، ومن الجهة الأخرى، تحتفظ إيران بقدرتها على التخصيب النووي وأيضا بقدرتها على المضي قدما في مسار البلوتونيوم». ولفت نتنياهو الى أنه سأل رؤساء الدول الكبرى «عن سبب تعجلهم في التوصل إلى اتفاق، مقترحاً عليهم أن يتمهلوا ويدرسوا الاتفاق بجدية».
واشار الى أن «الصفقة المقترحة، تخفف الضغوط الناجمة عن العقوبات، التي استغرق بناؤها وتطبيقها سنوات عديدة، فيما تبقى إيران تحتفظ بقدراتها النووية وقدرتها على التخصيب». وقال لوزرائه «أؤكد لكم أنه لن يجري تفكيك جهاز طرد واحد، مع أننا نتحدث عن قرار تاريخي. وطلبت منهم الانتظار، وجيد أن هذا ما فعلوه». وأقر نتنياهو أمام وزراء حكومته بتوجّه الدول العظمى نحو عقد اتفاق مع ايران، لافتاً «لا أوهم نفسي، فهناك فعلاً رغبة قوية (لدى الدول العظمى) للتوصل إلى اتفاق ( مع ايران)، وآمل ألا يجري ذلك بأي ثمن»، مشددا على ضرورة «التوصل إلى اتفاق جيد، اتفاق يقلص أو يفكك كليا القدرة الإيرانية على التسلح بالأسلحة النووية. أما الاتفاق السيّئ فسيُبقي قدرات إيران على حالها، ويخفّف كثيراً من حدة العقوبات». في المقابل اكد نتنياهو «سنفعل كل ما بوسعنا لإقناع القادة والدول العظمى بعدم التوصل إلى اتفاق سيّئ». وكان لوزير الدفاع الاسرائيلي موشيه يعلون، نصيبه من الانتقادات التي وجهت الى الإدارة الأميركية والاتفاق، الذي بُحث في جنيف، مكرراً مقولة نتنياهو بأنه «خطأ تاريخي»، ومضيفا أنه في الوقت الذي يواجه فيه النظام الاسلامي في ايران أزمة اقتصادية كبيرة، يخشى معها على بقائه، من الممنوع على الدول الغربية التراجع والتوصل معه الى صفقة، توفر له المزيد من الأوكسجين وتخفف العقوبات، من دون أي تنازل فعلي في برنامجها النووي.
الى ذلك، حذّر وزير المالية يائير لابيد، من أنه «في الوقت الذي تجري فيه ازالة جزء من العقوبات، سينهار السد من دون قدرة على كبح طوفان الشركات التي تريد العودة الى الأسواق الايرانية».
أما رئيس البيت اليهودي، نفتالي بينيت، فحاول اثارة مخاوف يهود الشتات بالقول «بعد عدة سنوات عندما يأتي مخرب اسلامي يفجر حقيبة نووية في نيويورك، او عندما ترسل ايران صاروخاً نووياً الى روما او الى تل ابيب، سيحدث هذا فقط بسبب الاتفاق السيّئ الذي ينفذ في هذه اللحظات الحاسمة».
بدورها، رأت وزيرة القضاء تسيبي ليفني، ورئيسة حزب الحركة، أن الشعور بالمسؤولية يفرض استغلال الفرصة لمنع ايران من انتاج سلاح نووي، وذلك «يمكن أن يجري عبر الادارة الصحيحة، من دون حلول وسط، ومن دون ادنى تخفيف في العقوبات قبل تحقيق الهدف». ورأى الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز، خلال كلمة له في مراسم ذكرى مرور 40 سنة على وفاة أول رئيس وزراء للدولة العبرية ديفيد بن غوريون، ان صيغة الاتفاق المطروحة بين مجموعة 5+1، وايران، لا تلبي هدف منع الاخيرة من امتلاك اسلحة نووية. وعبر عن امنيته بأن تتمسك الدول 5+1، بموقفها المعلن حول منع امتلاك ايران قدرات نووية، مشددا على ان هذا الموقف الاسرائيلي لا مساومة فيه.
من جهته، رأى نائب وزير الدفاع الاسرائيلي داني دانون، أن اي زعيم في اسرائيل لا يتطلع الى التفرد بقرار مهاجمة ايران وحدها، لكن إذا لم يكن هناك مفر من ذلك، فإن اسرائيل ستدافع عن نفسها في كل مكان وزمان».
في هذه الاجواء المشحونة والمنتقدة للخيار الاميركي ازاء ايران، كشفت صحيفة «معاريف» ان الحكومة الاسرائيلية اتخذت قراراً بشن هجوم شديد ضد الادارة الأميركية حول الاتفاق المرحلي الذي تتمحور حوله المباحثات مع ايران.
ورأت الصحيفة ان الازمة بين الطرفين بلغت اوجها بسبب الفرق الواضح بين ما وصل الى اسرائيل من معلومات حول الاتفاق، واخر التطورات ومسودة الاتفاق مع الايرانيين. وفي محاولة للتخفيف من التوتر السائد، اجرى الرئيس الاميركي باراك اوباما مكالمة هاتفية مع نتنياهو، وأعلن البيت الابيض، في اعقاب المكالمة، انهما سيواصلان التشاور في الايام القادمة، وان اسرائيل سيجري إطلاعها على آخر التطورات.
وعلى خلفية التوتر والتباين في المواقف بين واشنطن وتل أبيب، وصل الى اسرائيل أمس، وفد أميركي رفيع المستوى، برئاسة ويندي شيرمان، المسؤولة في الادارة الاميركية عن ملف المحادثات النووية مع ايران، لإطلاع حكومتها على نتائج المحادثات الأخيرة في جنيف.
واضافت هآرتس، ايضا، أن وزير الخارجية جون كيري سيتوجه ايضاً شخصياً الى ابو ظبي للقاء وزير خارجية الامارات العربية المتحدة عبد الله بن زايد، التي تعارض بشدة، مع كل من السعودية والبحرين واسرائيل، الاتفاق بين الدول العظمى وايران.