ريف دمشق | دمشق | مدينة دمشق صارت خارج دائرة الخطر. هذه هي الخلاصة التي تخرج بها مصادر عسكرية ميدانية معنية بالمعركة الدائرة في محافظتي دمشق وريف دمشق منذ تموز 2012. فمنذ ذلك الحين، أعلن المسلحون عن أكثر من «غزوة» للعاصمة السورية، باءت كلها بالفشل، إلى ان انتقلوا من موقع الهجوم على العاصمة، إلى موقع الدفاع عن وجودهم في محيطها، ابتداءً من نيسان 2013، عندما طوّق الجيش السوري الغوطة الشرقية، وعزلها عن البادية وبلدة العتيبة التي كانت تضم غرف العمليات المركزية في المنطقة السورية الوسطى. وبعد تحرير الجيش السوري لبلدة العتيبة، والتوغل ببطء في الغوطة الشرقية، انتقل إلى تأمين طريق مطار دمشق الدولي من خلال السيطرة على البلدات المشرفة عليه، مختتماً هذه العمليات خلال الشهر الماضي بتحرير بلدتي شبعا وحتيتة التركمان، ثم الانتقال إلى الجهة الجنوبية من طريق المطار، وتحديداً إلى بلدات البويضة والذيابية والحسينية والسبينة الكبرى والسبينة الصغرى وغزال. وبحسب المصادر، فإن ما حققه الجيش السوري خلال العام الماضي أدى إلى إزالة الخطر الاستراتيجي عن العاصمة دمشق، والبدء بالحديث بشكل جدي عن تحرير الغوطتين بشكل كامل. وتلفت المصادر إلى ان ما تقدّم يعني اشتداد المعارك كلما توغل الجيش في الغوطة الشرقية، خصوصاً أنه بات على تماس مع المناطق التي تُعد معاقل المقاتلين المعارضين في سقبا والقابون ودوما. اما الريف الجنوبي، فتؤكد المصادر ان تحرير الجهات الواقعة شرقي طريق دمشق ــ درعا، إضافة إلى كامل منطقة القدم، صار مسألة وقت. «وبعض هذه المناطق سيُحرر بالقوة، فيما البعض الآخر سيسقط بفعل انسحاب المسلحين منه». وبالفعل، بدأت آثار ما حققه الجيش خلال العام الماضي في ريف العاصمة بالظهور ميدانياً، من خلال لجوء المسلحين وحواضنهم الشعبية في عدد من المناطق المحيطة بالعاصمة إلى البحث عن تسويات مع القوات الحكومية. وشهد اليومان الماضيان الإعلان عن 3 تسويات مختلفة، في مخيّم اليرموك وقدسيّا والهامة، جرى خلالها تسوية أوضاع عشرات المسلّحين وفتح ممرات آمنة لإجلاء المدنيين.
وأعلن أمس عن اتفاق يجري التحضير له برعاية من منظمّة التحرير الفلسطينية، ينصّ على انسحاب مسلّحي المعارضة من مخيّم اليرموك، ودخول قوة أمنيّة خاصة مشكّلة من كل الفصائل الفلسطينية لإدارة المخيّم، باستثناء «حماس» و«الجبهة الشعبيّة ـــ القيادة العامة». لكن «الأطراف جميعها متفقة، من حيث المبدأ، على مسألة تأمين ممر آمن لإجلاء المدنيين»، حسبما أفادت مصادر فلسطينيّة لـ«الأخبار». وكانت بوادر الاتفاق قد بدأت بالظهور منذ أن أحكم الجيش سيطرته على بلدات سبينة الكبرى والصغرى وغزال قبل يومين، ووصوله إلى أطراف حي الحجر الأسود المتاخم لليرموك من جهة الجنوب. وتمثّلت تلك البوادر بإعلان مقاتلي «جبهة النصرة» نيتهم الانسحاب من المخيّم إلى بلدة يلدا، على خلفية تقدم الجيش، وإعلان ناشطين في مجال الإغاثة عن مبادرة لإجلاء المدنيين من المخيم.
وفي هذا الإطار، استقبل نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، وفد اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة زكريا الآغا. ورأى المقداد أن استهداف المخيمات الفلسطينية في سوريا من قبل الإرهابيين يعدّ دليلاً فاضحاً على عمق التنسيق بينهم وبين إسرائيل في الحرب التي تشن على سوريا. من جهته، عبّر الآغا عن حرص القيادة الفلسطينية على عدم تدخل اللاجئين في الأحداث السورية، وتحميل المجموعات المسلحة التي تحتل المخيمات المسؤولية الكاملة عن المعاناة التي يتعرض لها أبناء هذه المخيمات.
ميدانياً، يروي أبو هادي، أحد المقيمين في شارع المدارس في المخيّم لـ«الأخبار»، «ما إن سمعنا عن مبادرة لإجلائنا، يوم السبت، حتى استعدّ معظم الأهالي لاغتنام أيّة فرصة للخروج من المخيّم»، مضيفاً إن أحد القادة الميدانيين في «حماس» قال للأهالي: «انتظروا يومين، هناك اتفاق يقضي بخروجكم، أما نحن فسنسلم أسلحتنا». ولا تزال الاتصالات تجري على قدم وساق لعقد هذا الاتفاق، بحسب المصادر ذاتها.
ويعزو المتابعون نجاح التسويات تلك، وازدياد وتيرة إنجازها في العديد من مناطق الريف، إلى الكثير من العوامل، أبرزها: التقدم الذي أحرزه الجيش على أكثر من محور خلال الشهر الماضي، وبالأخص في الريف الجنوبي، وإلى تردّي حال مقاتلي المعارضة المسلّحة في أكثر من جبهة، وتدهور الوضع الإنساني العام في الأحياء المتوترة من جراء استمرار المواجهات فيها. إلا أن السبب الذي يقف مباشرة وراء تحوّل التسويات إلى ظاهرة عامة، حسبما قال الناشط في المصالحة الوطنيّة لؤي هلال لـ«الأخبار» هو بسبب «نجاح النماذج الأولى في بيت سحم والمعضميّة، اللذين صنعا عامل الثقة والصدقيّة».
تسوية قدسيا
وفي قدسيا (شمالي دمشق خلف جبل قاسيون)، فتحت القوات الحكومية بعد مرور أكثر من ستة وعشرين يوماً على إقفاله حاجزها الرئيسي الواقع قرب متنزه الصفصاف المؤدي الى مدخل قدسيا البلد. وسمح لسيارات النقل العامة والخاصة بالعبور بعدما أزيلت السواتر الترابية، في انتظار تطبيق وعود بإمداد المخابز بالطحين من جديد. وأعلنت مصادر عسكرية أول من أمس، الوصول إلى اتفاق في مدينة قدسيّا التي يقطنها حوالى 400 ألف نسمة، يقضي بوقف إطلاق النار وبتشكيل لجان أمنيّة مشتركة من الجيش والمسلّحين، تحت راية العلم السوري، الذي سيجري رفعه في ساحة البلدة. ويشمل الاتفاق فتح الطريقين المؤديين إلى قدسيا، طريق الصفصاف القديم والطريق الواصل بين قدسيّا وضاحيتها.
وبُدئ بتنفيذ هذا الاتفاق لحظة الإعلان عنه، فسمح للمدنيّين بالمرور في الطريق الواصل بين قدسيا والضاحية. وقال أبو جلال، أحد المقيمين في قدسيا، لـ«الأخبار»: «أبلغنا عناصر حاجز الجيش في مدخل الضاحية عن تفاصيل الاتفاق. وعَلت الفرحة وجوه الناس الذين بدأوا بالتدفّق إلى الأحياء القريبة، لشراء الحاجيات التي افتقدوها طيلة أيام الصراع».
وكانت قدسيا قد شهدت تسوية مماثلة في وقت سابق، إلا أن «عناصر متطرّفين من المعارضة حالوا دون تنفيذها. ولكنّ التسوية الحالية تبدو أكثر نضوجاً ونجاحاً»، يضيف أبو جلال. ودخلت بلدة الهامة المجاورة لقدسيا على خط التسوية، حيث سلّم 12 مسلحاً أسلحتهم للجيش، بحسب مصادر عسكريّة، الأمر الذي قد يمهّد الطريق لتسوية شاملة على غرار ما جرى في بلدة قدسيّا.
وكانت قدسيا تحت الحصار بسبب تفاقم العصيان المسلح منذ أول أيام عيد الأضحى الماضي، حيث طوقت قوات الجيش السوري مداخلها كلها لتبقى متصلة فقط من الداخل بمنطقة الهامة عبر خطوط تماس تطل على مرتفعات مساكن الحرس الموالية للنظام.