دمشق | خلصت دراسة بحثية مستقلة، صدرت نتائجها أخيراً، إلى أنّ إجمالي الخسائر الاقتصادية للأزمة السورية بلغت منذ بداية عام 2011 لغاية الربع الثاني من العام الحالي ما يقرب من 103.1 مليارات دولار، مشكّلة بذلك نسبة وقدرها 174% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2010، وهو ما يعني أنّ الأزمة تتسبب بخسارة اقتصادية لسوريا بمتوسط شهري قدره 3.8 مليارات دولار.
أكبر مجموعة لاجئة في التاريخ

الدراسة التي حملت عنوان «حرب على التنمية»، وأعدها «المركز السوري لبحوث السياسات» لمصلحة وكالة «الأونروا» والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، أكدت أن أوضاع مؤشرات التنمية البشرية شهدت تدهوراً خطيراً جداً، إذ يُعدّ اللاجئون من سوريا الآن هم أسرع مجموعة لاجئين نمواً في العالم، وإذا ما استمرت على الوتيرة الحالية فإن اللاجئين السوريين سيصبحون في نهاية العام الحالي أكبر مجموعة لاجئة في التاريخ المعاصر. وتكشف البيانات أنه بحلول النصف الأول من العام الحالي، تراجع عدد سكّان سوريا بأكثر من 8%، بينما غادر 36.9 % من السكان أماكن سكنهم الطبيعي، حيث خرج 1.73 مليون لاجئ ليستضيف لبنان العدد الأكبر منهم، الذي ازداد من 31.5% من إجمالي عدد اللاجئين في الربع الأول للعام الحالي، إلى 33.8 % خلال الربع الثاني. وتوضح بيانات التقرير أن 1.37 مليون سوري فضلوا الهجرة طوعاً، بينما اضطر 4.8 ملايين مواطن إلى النزوح الداخلي.

4.4 ملايين مواطن تحت خط الفقر

في ملف الفقر والبطالة، تقدر الدراسة عدد السوريين الذين دخلوا دائرة الفقر بفعل تداعيات الأزمة منذ بدايتها بنحو 7.9 ملايين مواطن، منهم 4.4 ملايين مواطن، أصبحوا تحت خط الفقر، بينما خسر ما يقرب من 2.33 مليون مواطن مصدر رزقهم ووظائفهم، وهو ما أسهم في ارتفاع نسبة البطالة لتصل إلى 48.6%، وتهديد معيشة ما يقرب من 10 ملايين مواطن.
وتمتد المأساة لتنسف ما حققته سوريا خلال العقود السابقة من نجاحات تنموية على المستوين التعليمي والصحي. فالقطاع التعليمي يعاني أزمة وصفتها الدراسة بـ«الصامتة»، إذ إن معدل التسرب المدرسي وصل إلى 49%، وهو ما يعني أن نصف أطفال المدارس باتوا لا يحصلون على التعليم النظامي، كما أن القطاع الصحي يشهد هو الآخر انهياراً كبيراً، فقد تراجعت مثلاً نسبة الأطباء إلى السكّان من طبيب واحد لكل 661 مواطناً عام 2010، إلى طبيب واحد لكل 4041 مواطناً بحلول شهر حزيران الماضي، وتوقفت نحو 90% من الصناعة الدوائية المحلية عن الإنتاج، لذلك يُتوقع أن تكون فئة النساء هي الأكثر تعرضاً للخطر نتيجة الولادات التي لا تخضع لإشراف طبي وغياب قدرة الحصول على خدمات ما قبل الولادة وما بعدها، بينما يواجه الأطفال معدلات تلقيح منخفضة، وتقهقراً في الحالة الغذائية، وتنامياً في أعداد الأمراض المعدية وحالات الاسهال.
لكن تبقى خسارة الحياة البشرية ـــ كما تضيف الدراسة ـــ أكثر جوانب النزاع المسلح فظاعة، فقد ازدادت الوفيات المرتبطة بالنزاع بنسبة 67% في النصف الأول من عام 2013، لتصل إلى زهاء 100 ألف حالة وفاة خلال فترة النزاع، كما يقدر أن ما يقرب من 400 ألف شخص تعرضوا للإصابة أو التشويه، وتالياً فإن أكثر من 2% من السكان قتلوا، أو أصيبوا، أو جرحوا.

اختلال الميزان التجاري

اقتصادياً، بلغ الحجم الإجمالي للخسارة في الناتج المحلي لغاية الربع الثاني من العام الجاري نحو 47.9 مليار دولار، منها 8.2 مليارات دولار فقدت خلال الربع الأول من عام 2013، و9.7 مليارات دولار خلال الربع الثاني، وليكون بذلك معدل النمو في الناتج المحلي سالباً بنسبة 34.3% للربع الأول من العام الحالي، و39.6% للربع الثاني.
وشهدت استثمارات القطاع الخاص تدهوراً هائلاً، وصلت نسبته إلى 23.3 % في الربع الأول من عام 2013، و12.8% خلال الربع الثاني وذلك مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاستثمار العام الذي تراجع بنسبة تصل إلى 23 % خلال الربع الأول من العام الحالي، و30 % خلال الربع الثاني. علاوة على ذلك ـــ تقول الدراسة ـــ أعادت الحكومة تحويل موارد كبيرة من الاستثمار إلى الاستهلاك الجاري، إضافة إلى الإنفاق العسكري.
كذلك تعاني البلاد عجزاً متنامياً في التجارة، فصافي الصادرات سجل رقماً سلبياً هو 144 مليار ليرة سورية عام 2012 (نحو مليار دولار بسعر صرف الليرة الحالي)، ورقماً سلبياً آخر هو 29 مليار ليرة في الربع الأول من العام الحالي، ورقماً سلبياً إضافياً قدره 17 مليار ليرة في الربع الثاني. وبررت الدراسة هذا العجز بالهبوط الحاد في صادرات النفط والصناعة، مما حرم الاقتصاد مصادر رئيسية للعملة الصعبة، كما أن غياب القدرة التصديرية، فضلاً عن الطلب الهائل على استيراد السلع (كالغذاء والدواء)، فرضا تحدياً خطيراً بالنسبة إلى الاستدامة الاقتصادية، وهو حال لا يمكن قلبه رأساً على عقب دون تعافي الإنتاج المحلي.
ومن بين أخطر النتائج التي توصل إليها الباحثون الخمسة، الذين أشرفوا على إعداد هذه الدراسة، أنّه مع انهيار الاقتصاد المنظم، شهدت سوريا تنامياً في الاقتصاد غير المنظم، والنشاطات الريعية السريعة الربح، إضافة إلى ظهور اقتصاد العنف الذي سيرخي بظلاله على تنظيم النشاط الاقتصادي، والإصلاح، ورأس المال الخاص، والتنمية في مرحلة ما بعد الأزمة.
يذكر أن هذه الدراسة هي الثانية التي يعدها أخيراً المركز السوري لبحوث السياسات (مستقل) بالتعاون مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينين (الأونروا) والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وذلك سعياً نحو تقديم تحليل دقيق لـ«الأسس الجوهرية للتخريب والتدهور الاقتصاديين اللذين جلبتهما الحرب الصامتة على التنمية البشرية والاقتصادية»، ولتشكيل «أداة تحليلية تتيح لمختلف الجهات أن تطلع بوضوح على المخاطر الحالية والتخريب الذي طاول الاقتصاد من أجل صياغة السياسات والبرامج، التي يمكن أن تخفف من وقع الأحداث ضمن الظروف الحالية، مع توفير منظور مستقبلي شامل لإعادة التأهيل، وإعادة الإعمار، والتنمية مستقبلاً».