بثينة رشيدمن البداية، لم يُعرف سر رغبة البعض ربط حل قضية المخيم، والحصار حوله، بفك عقدة الأزمة السورية كلها! فقد خرج أهل اليرموك من مخيمهم بعد سنة ونصف من بداية الأزمة السورية. الفصائل الفلسطينية، بدت قبل الخروج كأنها أحزاب يتيمة التاريخ النضالي وعديمة الخبرة في العمل السياسي، فتناولت أمر اليرموك بردات فعل باردة محايدة، وتجاهلت حساسية الوضع وخصوصيته، وتركت الأمور تجري كما شاءت دون القيام بأي دور في لجمها او تحييدها! والأهم انها تجاهلت رغبة أهل اليرموك الحقيقية في تحييده، وتجاهلت تخوف غالبية الناس المدركة لخطورة الانخراط في وضع قد يمس كيانهم وشخصيتهم الوطنية. وقد كان طرح فكرة التحييد والخصوصية لدى الفصائل طرحاً خجولاً، يتوارى خلف عبارات الخوف والخشية، ولم يتشبع باللهجة القوية القادرة على قراءة سليمة لمستقبل الأيام وما قد تحمله من مفاجآت...
إلا أن الفصائل اختلفت وتشتتت على خلفية سياسية مصوغة على أساس أحقاد وتارات قديمة، وقد كان من المفترض أن يجمع حس واحد تلك الفصائل، شعور كنهه أن المطلوب في تلك اللحظات الحرجة؟ الحفاظ على وحدة المخيم وأمنه وإبعاده عن الصراع. وأن الحفاظ على كيان المخيم، بحاراته وبيوته، مطلب يوازي الحفاظ على القضية والشخصية الوطنية التي تعاني ما تعانيه من اهمال وتهديد.
لقد اخرجت الفصائل في أيام اليرموك الصعبة كل أحقادها القديمة، في حين كان مطلوبا تجاوز كل الحزازات والتعامل مع قضية اليرموك على مستوى رجالات دول ومؤسسات وأحزاب تعتبر حماية أجساد الناس من البرد والجوع وحماية كراماتهم من الذل والإهانة هي قضية وطنية تعادل قضية التحرير والعودة. لم تستفد التنظيمات من دروس الماضي أو من أخطائه، بل وقفت تنظر، بشماتة، كيف يغوص تنطيم ما في أخطائه، ونسيت أنه في كل تنظيم فلسطيني شباب، هم أخوة أو أبناء وأصدقاء، مواطنون في الوطن المنتظر تحريره. تحققت رغبة البعض، وخرج أهل اليرموك مرغمين، وُترك من بقي هناك لمصيره في الموت بالقذائف او الجوع والذل.. فهل كان المخيم يستحق كل هذا؟
مبادرات أم مسابقات؟
وبعد عام تقريبا على الخروج، وبعد محاولات عديدة أتت مبادرة منطقية للحل والتي كان على جميع الفصائل وبغض النظر عن الخلافات السابقة أن تقف إلى جانبها وتسعى لصيانتها وحمايتها من عبث النوايا الشخصية، إلّا أن العكس هو ما حدث وبدأ الناس يسمعون انتقاداً وملاحظات من هنا وهناك، وابتدع أصحاب النقد مشكلة أخرى هي مشكلة الفوز السياسي ، مَن يقوده ومن يستثمره؟؟!!

وهنا أيضاً لا بد من ملاحظة ما يلي:

ينسى من يسأل عن الفوز أن من يساهم في تأجيل أي حل ولو أتى متأخراً يكون مشاركاً في الموت وتدمير ما تبقى من البيوت. ومن يرغب بالفوز أو بتسجيل نقاط أمام شعبه عليه أن يستفيد من فرصة محو أخطاء الماضي ويساهم في إنجاح الحل، وأي فصيل فلسطيني يعتقد أنه لم يخطئ بحق المخيم فهو واهم ...
في الأيام الحاسمة يكون التنازل للمصلحة العامة عنوان الصواب والحقيقة، ويكون السعي وراء مكاسب الفوز عنوان الفشل.
وفي اللحظات الحاسمة يستنفر رجال الدول والسياسة للعمل لمصلحة الناس، ولتقريب الحل وليس لشله أو تعطيله. فهل تتحقق هدنة اليرموك ويعود الناس الى بيوتهم لينتظروا عودتهم الأم الى فلسطين النكبة والنكسة، ومجازر أيلول الأسود وحصار بيروت؟