تونس | بعد ست ساعات من النقاش بين الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي، وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، لم يتوصل الطرفان الى أي اتفاق حول اسم رئيس الحكومة الجديد. ومع ذلك لم يقفل الغنوشي باب الأمل بالوصول الى اتفاق اليوم الاثنين، في الوقت الذي أعلن فيه العباسي أنه سيتم إما العودة الى الحوار الوطني المعلّق منذ أيام أو إعلان فشله. في الوقت نفسه، أعلنت رئيسة اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وداد البوشماوي أن المنظمات الراعية للحوار ستكشف في حال فشله للتونسيين عن الجهات التي تقف وراء تعطيله.
استمرار التجاذب بين الأحزاب السياسية حول اختيار شخصية مستقلة لرئاسة الحكومة تعهد اليها إدارة المرحلة الانتقالية الثالثة لم يعد يحظى باهتمام الشارع التونسي الذي ملّ هذا الحوار كما ملّ المسلسلات الطويلة. فمنذ اغتيال الزعيم الناصري محمد البراهمي، تم تعليق عمل المجلس الوطني التأسيسي وتوقف المسار الانتقالي بنحو كامل تقريباً، في حين يعيش العمل الحكومي والإداري شللاً غير مسبوق في بلاد كانت الى وقت قريب نموذجاً في الاستقرار.
لقد أصبح جزءٌ كبيرٌ من التونسيين يشعر بالإحباط مع اقتراب الذكرى الثالثة لاندلاع الانتفاضة الشعبية التي أطاحت الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وحل حزبه الذي حمّله التونسيون مسؤولية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي انتهت اليها البلاد في آخر أيام حكم الحركة الدستورية. حركة بدأت تجمع صفوفها من جديد في ثلاثة أحزاب كبرى يتوقع أن يكون لها دور كبير في أي انتخابات مقبلة مقابل انحسار شعبية الأحزاب الثلاثة الحاكمة، التي لم يعد أحد يصدق شعاراتها الثورية.
أمنياً، اندلعت مواجهات بين جماعة أنصار الشريعة وقوات الأمن في حي الانطلاقة شمال العاصمة، بعد أن منعت الشرطة أنصار التنظيم من التظاهر من أجل المطالبة بإطلاق سراح الموقوفين على خلفية تورطهم في الإرهاب. كذلك تجددت المواجهات أيضاً في مدينة الكاف (غرب البلاد) بين السلفيين والشرطة، في الوقت الذي ألغيت فيه صلاة الجمعة لأول مرة في تاريخ تونس، بعد أن نشب خلاف في مسجد في مدينة بنزرت شمالي العاصمة بين مجموعتين من المصلين.
وذكرت جريدة «الشروق» في عددها الصادر أمس، نقلاً عن مصادر أمنية مطلعة، أن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل تونس: إما إنقاذ الدولة أو السقوط في مستنقع العنف الشبيه بالحالة الصومالية والأفغانية، وذلك بعد أن تم رصد خلايا نائمة لمجموعات إرهابية وأموال طائلة بالعملة الصعبة تم ضبط جزء منها يُقدّر بالمليارات نهاية الأسبوع، وكميات من السلاح.
هذا ما يؤكد المخاوف التي يشعر بها التونسيون منذ شهور من سقوط البلاد في الفوضى بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة وتجاهل الحكومة التام لمطالب الفقراء والمهمشين الذين انتفضوا قبل ثلاث سنوات على نظام بن علي. ويتوقع عدد من المتابعين للشأن التونسي أن تتصاعد الاحتجاجات الشعبية في هذا الشهر لمناسبة الذكرى الثالثة للانتفاضة الشعبية وبداية تطبيق الميزانية الجديدة مع العام الجديد.
فقد اضطرت الحكومة الى التخفيض في نسبة الميزانية المخصصة للتشغيل بحوالى ١٩ في المئة، في حين تم الترفيع في ميزانية وزارة الشؤون الدينية بـ٢٩ في المئة، وهو سبب اعتبره النقابيون كافياً لإدانة الحكومة المتهمة بانعدام الكفاءة والمسؤولية.
كل المؤشرات تؤكد أن تونس تسير نحو الانفجار خلال أيام وليس خلال أشهر. ولكن هل تخرج البلاد من النفق الذي قادتها اليه حكومة الترويكا بقيادة الإسلاميين؟
الجواب عن هذا السؤال يبقى في جزء كبير منه مرتبطاً بما سيعلن عنه اليوم من توافقات في الحوار الوطني أو الإقرار بالفشل والبحث عن سيناريوات أخرى قد لا تكون هي الأخرى مخرجاً من الأزمة الخانقة التي تغرق فيها البلاد.