لم تكن زيارة وفد حركة «حماس» للقاهرة الأسبوع الماضي سوى تعبير بطريقة مواربة عن تخبط الأجهزة الأمنية المصرية في التعامل مع الحركة خلال السنتين الماضيتين، في ظل وجود أكثر من رؤية وتقديرات مختلفة للموقف، وفي ضوء حالة تضارب في الآراء وتقديم تقارير مختلفة إلى القيادة السياسية عن طبيعة التواصل مع «حماس» وكيفية التعامل مع قياداتها.
التخبط بين تصورات الأجهزة الأمنية الرئيسية: «المخابرات العامة» (وزارة الداخلية) من جهة، و«المخابرات الحربية» (الجيش)، ووزارة الداخلية نفسها ومعها «جهاز الأمن الوطني» (أمن الدولة سابقاً) من جهة أخرى، ظهر في أوجِه بشأن قضية «حماس». كل جهاز له رأي مرتبط بخلفيات التواصل مع الحركة أو تقارير أمنية مبنية على معلومات وتقديرات سابقة، فيما يبدو «المخابرات العامة»، وهو الجهاز الوحيد الداعم للتواصل مع «حماس» حتى الآن، قادراً على الدفاع عن وجهة نظره حتى إشعار آخر، برغم اعتراض البقية.
ولعل هذا تحديداً هو ما يفسر التناقض بين إعلان «الداخلية» وقوف «حماس» خلف اغتيال النائب العام الراحل هشام بركات، وبين استقبال وفد الحركة بالتزامن مع هذا الاتهام الذي أعلنه رأس الوزارة، اللواء مجدي عبد الغفار.
وفق التفاصيل، فإن «المخابرات العامة» الذي أدار المفاوضات مع وفد «حماس» خلال الأيام الماضية، يرى في التعاون معها أمراً ملحّاً، وكذلك لا مشكلة لديه في تأمين معبر رفح بالتنسيق المشترك معها، وذلك لتوفير حياة طبيعية لسكان قطاع غزة، على أن ذلك سيؤدي إلى «انعكاس إيجابي على الأمن القومي المصري... المقترح أن يعود التنسيق إلى ما كان عليه قبل 2011، وأن تمرّ الشحنات الغذائية ومعدات البناء عبر معبر رفح»، كما نقلت مصادر أمنية مطلعة.
أبلغت «قيادة حماس أنها الفرصة الأخيرة لتحسين العلاقة بالقاهرة»

ويبدو أن تقدير موقف «المخابرات العامة» راجع إلى رغبة حقيقية في أن تكون هذه الخطوات في حال اتخاذها من الجانب المصري تسهيلات إضافية للمصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس»، ومحفزاً للأخيرة كي تسلّم أي قيادات جهادية تتمكن من العبور إلى غزة بعد تطبيق نظام تعاون أمني مشترك يضمن تبادل المتهمين بشرط وقف التعاون في حال ثبوت تقديم الحركة معلومات مضللة للأجهزة المصرية أو التورط في عمليات من شأنها الإضرار بالأمن القومي، ولكن مع تقديم الجهة التي تدعي ذلك، الأدلة التي لا يمكن إنكارها.
وجهة النظر المدافعة عن التواصل مع «حماس» ترى أيضاً أن التعاون معها فرصة جيدة لتحقيق تبادل تجاري يكون من شأنه توفير منفذ للمنتجات المصرية عبر رفح، وتشغيل المعبر مستقبلاً عبر اتفاقية تكون السلطة في رام الله جزءاً منها على المدى المتوسط وتنتهي بإدخال جزء من العملة الصعبة في القطاع إلى مصر. ويقول هؤلاء أيضاً إن «إبقاء غزة تحت الحصار يحرج مصر سياسياً ويشكل تحولاً من موقف داعم لنضال الشعبي الفلسطيني، إلى معاقبة جماعية لأهالي غزة»، ولكنهم في الوقت نفسه لا يغيب عنهم أن «حماس» لن تتنازل عن المكاسب السياسية التي حققتها خلال السنوات الماضية.
تضيف المصادر نفسها أن المخابرات العامة ترفض في مقابل «المخابرات الحربية» ووزارة الداخلية، تحميل «حماس» وحدها مسؤولية الأوضاع في سيناء، بل يرى الجهاز أن هذا الوضع السيئ هو نتيجة سنوات من أخطاء «الداخلية» في التعامل مع القبائل، وكذلك «الحربية» التي أفرزت جيلاً من الشباب يكره ممارسات الجيش العنيفة، بل لديه «قابلية لتنفيذ أعمال ضد الجيش بسبب التقليل من وطنيتهم وعدم الاهتمام بتأهيلهم والاستعانة بهم في الوظائف الحكومية».
لكنّ ذلك لا يخفي طلب «المخابرات العامة» من «حماس»، خلال اللقاءات، عدم التعاون مع «جماعة الإخوان المسلمين»، وصولاً إلى التبرؤ منها ومن قياداتها الملاحقين قضائياً، باعتبار أن ذلك سيساعد في تقوية وجهة نظر الجهاز. ونقلت المصادر أن الحركة وعدت بتنفيذ عدد من الطلبات هي موضع اختبار في الأيام المقبلة، خاصة أن «قيادات حماس أبلغوا أن هذه المرة هي الفرصة الأخيرة لهم لتحسين علاقاتهم بالقاهرة» في ظل رفض الأجهزة الأخرى التعاون معهم.
في المقابل، لا تزال «المخابرات الحربية» و«الداخلية» ــ «الأمن الوطني» يرفضون فكرة التفاوض مع «حماس»، بل يشدّون على يد القضاء لحظرها. وينقل بعضهم أن «الحربية» تحمل «ضغينة ضد حماس»، وترى أنها مسؤولة عن عمليات استهداف الجنود في سيناء، فيما ترى «الداخلية» أنهم المحرك الرئيسي لـ«عنف الإخوان»، ولكن من دون أن يقدموا أدلة ملموسة باستثناء اعترافات المتهمين في واقعة اغتيال هشام بركات، بل يتوقع أن ينفيها المتهمون أمام المحكمة عند إحالتهم عليها.
(الأخبار)