رأى وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن هناك «تقدماً معيناً حصل» في المحادثات بين طاقمي اسرائيل والسلطة الفلسطينية في المفاوضات، مُقرا في الوقت نفسه بوجود صعوبات تعترض طريقها، في وقت لخّص فيه رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، موقفه من الاقتراح الأميركي الذي تحاول من خلاله واشنطن نزع المبررات الأمنية الاسرائيلية لفتح الطريق أمام التقدم في المفاوضات. وأكد نتنياهو أن أي اتفاق مع الفلسطينيين «ينبغي ان تحتفظ فيه، اسرائيل بقدرة الدفاع عن نفسها، بقدراتها الذاتية وعبر قوات جيشها».
ولعل في هذا الموقف إشارة إلى رفض اسرائيل أي اقتراحات أميركية، تستند في جوهرها الى ضمانات بديلة عن المطالبة بوجود عسكري وأمني اسرائيلي في غور الأردن وعلى المعابر الحدودية مع الأردن، من قبيل قوات دولية وعبر التنسيق مع الجانب الأردني، اضافة الى تعهدات أميركية وتقديمات تكنولوجية معينة.
بالتوازي مع حقيقة أن المبدأ الحاكم لمضمون الترتيبات الأمنية، التي تقترحها واشنطن، ينطلق من ضرورة توفير الأمن لاسرائيل بالمقدار الذي يوفّره لها الوضع الحالي، واصل نتنياهو محاولة إلقاء الكرة في الملعب الفلسطيني، وتحميله مسؤولية تعثر المفاوضات بالقول، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع كيري، إن اسرائيل «باتت مستعدة لاتفاقية سلام تاريخية مع الفلسطينيين تعتمد على مبدأ دولتين للشعبين».
وانتقد نتنياهو الاسلوب الذي تدير عبره القيادة الفلسطينية المفاوضات، داعياً الى ضرورة إجراء «مفاوضات حقيقية، من دون توجيه الاتهامات الى بعضهما بعضاً واثارة ازمات مصطنعة».
في المقابل، أكد كيري، الذي يزور إسرائيل للمرة العاشرة، في ختام اللقاء مع نتنياهو، أن التحالف بين الولايات المتحدة واسرائيل ثابت وغير قابل للتقويض، مشيراً الى أن وجود خلافات تكتيكية لا يعني وجود خلافات في التوجه الأساسي المتعلق بأمن اسرائيل.
وتعقيباً على التشدد الاسرائيلي في المجال الأمني، أعرب كيري عن تفهمه لـ «التحدي الماثل أمام اسرائيل»، مؤكداً التزام الولايات المتحدة تجاه أمنها وتجاه متطلبات السلام، ومشددا على أننا «نريد اتفاقاً يعترف بأن اسرائيل دولة قادرة في الدفاع عن نفسها بقدراتها الذاتية».
وفي ما يتعلق بالمفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية، رأى كيري ان هناك «تقدماً معيناً حصل» في المحادثات بين طاقمي اسرائيل والسلطة الفلسطينية في المفاوضات، مقراً في الوقت نفسه بوجود صعوبات تعترض طريقها.
وتجنبا للاصطدام بالفشل الناتج عن الرفض الاسرائيلي، وبهدف ترك الأبواب مفتوحة على المزيد من النقاشات، قدّم الجنرال الأميركي المتقاعد جون آلان، امام نتنياهو خلال اللقاء الذي استمر نحو ثلاث ساعات مع كيري، ما سماه وزير الخارجية الاميركية، «افكاراً» تتعلق بالترتيبات الأمنية المحتملة في الضفة الغربية ضمن اطار اتفاق دائم بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
واكد كيري ان هذه الأفكار التي ستجري بلورتها ستوفر المزيد من الأمن لاسرائيل، لافتاً الى أنه سيجري استكمال مناقشة هذا الموضوع.
وتأتي هذه التقارير على خلفية أن للنظام الأردني دوراً في الخطة الاميركية التي تطمئن الاسرائيلي، الذي يخشى ان تؤدي التطورات التي يشهدها العالم العربي الى ضعف او اسقاط النظام الملكي في عمان، كما أشارت الصحف الاسرائيلية الى أن المقترحات الاميركية تتحدث عن مرحلتين، الأولى انتقالية، حيث ترى إسرائيل أنها ستكون طويلة الأمد وقد تمتد30 عاما، والثانية دائمة، وتتناول مفهوم الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح، وحجم ونوعية الأسلحة التي سيتاح للدولة الفلسطينية حيازتها.
التقارير الاعلامية الاسرائيلية، تحدثت أيضاً عن ان الطرفين لا يعلقان امالاً كبيرة على زيارة كيري؛ الاسرائيلي من جهته يعد هذه المحاولة عقيمة، فيما يرى الطرف الفلسطيني انها فرصة قد تكون الأخيرة لانقاذ العملية السياسية.
ولفتت التقارير نفسها الى ان ما دفع الادارة الاميركية إلى تقديم اقتراحاتها لحل الأزمة، تقديرها بأن المشاكل التي تعرقل تقدم المفاوضات امنية على نحو اساسي، وتستند في جوهرها الى اصرار نتنياهو على إبقاء قوات اسرائيلية في غور الاردن، وعلى ترتيبات امنية دقيقة.
في السياق نفسه، أكد مصدر سياسي اسرائيلي انه «على عكس التقارير، اسرائيل لن تنقل الى السلطة الفلسطينية، اية اراض ولن تقدم تنازلات عن مطالبها الامنية»، متهما الطرف الفلسطيني بأنه لا يملك اي نيات جيدة، في المحادثات «لا في قضية الاعتراف (بيهودية اسرائيل)، ولا مشكلة اللاجئين وايضاً في قضايا نهاية النزاع». وشدد المصدر على ان اسرائيل «لن تغير موقفها، وانه ما دام هناك مسار تفاوضي سنلتزم بتعهداتنا تجاه الاميركيين».
وبالرغم مما نقلته صحيفة «معاريف» عن مصادر دبلوماسية، على صلة بالأجهزة الامنية الاسرائيلية، من أن الاقتراح يوفر حلاً للطرفين، وانه من غير المستبعد ان يتضمن ايضا ضمانات، ووسائل تكنولوجية متطورة ووسائل قتالية مميزة كفيلة باقناع اسرائيل او استبدال الوجود العسكري على نهر الاردن، نقلت الصحيفة نفسها عن مصدر اسرائيلي رفيع قوله «لا يمكن لأي وسيلة فنية او وسيلة قتالية سبق ان طرحت علينا حتى الآن من الاميركيين ان تحل محل الوجود العسكري للجيش الاسرائيلي على نهر الاردن»، كما أكدت «معاريف»، استناداً الى مصدر سياسي ان نتنياهو يعتزم التسريع في إقامة جدار امني على نهر الاردن، وان الاردنيين يضغطون على واشنطن لقبول المطالب الامنية الاسرائيلية لكونها ستحمي الاردن ايضاً.
الى ذلك، رأى الرئيس السابق لـ «الشاباك» يوفال ديسكين، ان فشل المفاوضات مع الجانب الفلسطيني أشد خطراً على أمن اسرائيل من الملف الايراني، محذراً من التداعيات المصيرية لفشل المفاوضات. واضاف ديسكين «كنت أود أن يكون لبيتي هنا حدود واضحة، وأن نضع قدسية الشعب فوق قدسية الأرض، وألا يكون بقاؤنا هنا مرهوناً باحتلال شعب آخر، نحن ملزمون بالتوصل إلى اتفاق الآن قبل أن نصل إلى نقطة اللاعودة عن حل الدولتين».