حلب | أصبحت محطة توليد الكهرباء في حلب الشغل الشاغل لأهالي المحافظة. فما إن تعلن السلطات السورية انتهاء أعمال الصيانة فيها بعد أعمال التخريب، حتى تعاود الجماعات المسلحة استهدافها أو استهداف خطوط الغاز المغذية لها أو خطوط التوتر العالي الخارجة منها، ليعمّ الظلام مجدداً المدينة التي تمر بأقسى شتاء في العقدين الأخيرين. وتقع المحطة على مسافة ثلاثين كيلومتراً شرق حلب، على أوتوستراد حلب ـــ الرقة. والى الجنوب الغربي منها، ضاحية سكنية حديثة مخصصة لسكن عائلات العمال والموظفين، نهب شققها المسلحون الذين اتخذوها لاحقاً مقار لهم. وتحيط بها ثلاث قرى هي جبرين والرضوانية وجب الصفا.

في بداية تشرين الثاني الماضي، انسحبت الوحدة العسكرية السورية المدافعة عن المحطة، بعد مقتل أربعة من عناصرها ودفنهم في أرضها، إثر هجوم للجماعات الإسلامية استخدمت فيه أسلحة ثقيلة هددت سلامة العاملين فيها، وأنذرت بكارثة بيئية قد تنجم عن انفجار خزانات الهيدروجين التي تستخدم في تبريد مراجل العنفات (التوربينات).
اليوم، باتت طلائع الجيش السوري على بعد كيلومترات عدة من المحطة، وهي تخوض اشتباكات مع المسلحين في جبرين والرضوانية وجب الصفا التي نزح سكانها عنها.
القوات التي اقتربت من المحطة هي نفسها التي حررت مدينة السفيرة ومحيطها، وتتألف من وحدات من النخبة، وأخرى من قوات الدفاع الوطني مع لجان شعبية من أهالي المنطقة.
مصدر مطلع أكد لـ«الأخبار» أن «الجيش يتمهل في تحرير المحطة حرصاً على سلامة منشآتها، ولتجنيبها أضراراً قد يستغرق إصلاحها شهوراً عدة». وتوقع أن «يحتمي المسلحون بمبانيها في حال شن الجيش هجومه المرتقب لتحريرها».
من جهة أخرى، لعبت «مبادرة أهل حلب» التي يرأسها المهندس طريف عطورة دوراً مهماً في تشغيل المحطة المحاصرة باتفاقات «جنتلمان» مع المسلحين. لكن سرعان ما كان يتم نقضها بذريعة كثرة الجماعات المنتشرة في المنطقة. وكانت النتيجة أن تفجير خطوط الغاز المغذية للمحطة وأبراج التوتر العالي الخارجة منها لم يتوقف طيلة الأشهر السابقة.
وتولت المبادرة شؤوناً لوجستية كنقل الطعام للعمال وطواقم ومواد طبية لعلاج الجرحى الذين يصابون خلال هجمات المسلحين والقصف.
وزير الكهرباء السوري عماد خميس زار حلب بعد احتلال تنظيم «دولة الإسلام في العراق والشام» المحطة، وبعد تمكن «مبادرة أهل حلب» من التوصل مع المسلحين إلى اتفاق بإخراج منطقة المحطة من القتال. وأعلن خميس أن ورش الصيانة أعادت تأهيل المحطة وأصلحت خطي توتر عال، وهي في طور الانتهاء من تأهيل خطين آخرين، مؤكداً أن الكهرباء ستعود بلا تقنين إلى المدينة. لكن سرعان ما تبخرت، خلال ساعات، أحلام الحلبيين بعودة الكهرباء مع اعتداء المسلحين على ورش الصيانة والسطو على آلياتها ومعداتها ومنعها من العمل.
يعمل في المحطة التي افتتحت في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد نحو ألف شخص، بين مهندس وعامل وفني وإداري، ويقتصر الأمر حالياً على بضع عشرات يأتون من حلب وقلة من أهالي المنطقة. وتبلغ طاقة المحطة الإنتاجية نحو 1100 ميغاوات عبر خمس عنفات توليد بخارية، كانت تعمل على الفيول وعدّلت لتعمل على الغاز بعد تكرار تفجير قطارات الفيول القادمة من مصفاة بانياس في الشهور الاولى للأزمة، فتوقفت أربع عنفات منها نتيجة الحرب وبقيت واحدة تعمل.
معاناة العاملين في المحطة تبدأ من رغيف الخبز والنقص الكبير في الكادر، ولا تنتهي برصاص القنص على الطريق أو داخل المحطة وصعوبة الاسعاف.
ويشرح عبد القادر، وهو من حلب يعمل في المحطة منذ تأسيسها قبل خمسة عشر عاماً، معاناة العمال لـ«الأخبار»، موضحاً أن «آخر حاجز للمسلحين قبل المحطة كان يفتشنا ويسمح لنا برغيف خبز واحد للجوق (وردية العمل)، وكثيراً ما نتعرض للإهانات واتهامنا بأننا نهرّب الخبز للعساكر».
أما المهندس أحمد فيرى أن العمل في المحطة أصبح في الشهور الستة الأخيرة «مهمة استشهادية»، مشيراً إلى أنه «في أي لحظة قد تسقط قذيفة هاون أو تصيبك رصاصة قناص. وإذا أصبت، فالإسعاف يعني تعرضك لخطر الخطف والقتل فوراً بشبهة أنك عسكري مصاب».
أكثر من مئة عامل من المحافظات الأخرى انقطعوا عن الدوام بسبب التهديد بتصفيتهم على الهوية على حواجز المسلحين، وما زاد في معاناتهم خسارة شققهم في السكن العمالي، علاوة على وقف رواتبهم لشهور طويلة، قبل أن تقرر الحكومة لاحقاً فرزهم إلى منشآت شبيهة في محافظاتهم الأصلية.