قاسم س. قاسم«معك قاسم قاسم من جريدة الأخبار». أجابني بسرعة بديهة «معك حسان حسان من جريدة الأخبار». ضحكنا للنكتة ولصدفة تكرار اسمائنا. ما زلت أذكر المرة الاولى التي اتصلت فيها بالشهيد حسان. كنت حينها مكلفاً بالتواصل مع شباب صفحة «مخيمات» التي كان حسان قد بدأ الكتابة فيها. حسان «المهضوم» استشهد. قتل في سجون النظام. هذه حقيقة لا يمكن نكرانها. لماذا؟ يتكرر السؤال.. حسان لم يكن ارهابياً او «مندساً». حسان لم يكن تكفيرياً. لم يحمل بندقية او يزنّر نفسه بحزام ناسف. لم يقتل احداً او يكفّر احدا. حمل ورفاقه كاميراتهم. أنتجوا افلاما قصيرة عن واقع ابناء مخيم اليرموك. فيديو «على هوى الحصار» الذي اعتقل بسببه حسان، اولاً لدى «جبهة النصرة» ثم لدى النظام، لا يتجاوز الدقائق الاربع. انتقد خلالها الشاب الفصائل الفلسطينية في المخيم والاسلاميين الذين يتحصنون فيه وعناصر اللجان الشعبية، كما انتقد الشائعات التي تطال المخيم. اربع دقائق كانت كافية لتطبيق «الحدّ» على حسان. لسخرية القدر، استشهد ابن فلسطين في الفرع الذي يحمل اسمها. فرع استخباراتيّ اذاق الويلات لابناء الشعب السوري والفلسطيني على حد سواء. استشهاد حسان قتل شيئا فينا. قتل القليل من الامل الباقي في قلوبنا. بموته اصبحنا نشك بأن الغد سيكون أفضل، وان سوريا التي احبها حسان، سترى النور في القريب العاجل ما دام هناك من يخاف من «فيديو». حسان استشهد. مات. قد تكون روحه في هذه اللحظات تراقب ما يجري في مخيم اليرموك. وربما هو الآن حيث جميعنا يجب ان نكون، في فلسطين. هكذا، ببساطة انتهى كل شيء. لم يكن حسان اكثر من ابن مخيم، احب يرموكه. كتب عنه كانه يكتب عن ولده. بعد استشهاده اعدت قراءة مقالاته في «الأخبار». سقط حسان شهيداً في المكان الذي احبه. في احدى مقالاته كتب عن زيارته لجبانة الشهداء في اليرموك ووقوفه «عند قبر أبو جهاد وقبر سعدي، تضيء من حولي آلاف القصص لتنير ليل المخيم دوماً». تقول جدة حسان في نص كان قد كتبه «في مكانها القديم الجديد عند بيت أم إبراهيم، تنهّدت ستّي أم سعدي وقالت: يه عليي.. هالشباب بيحرقوا القلب. وبكت». حسان كلنا نبكي عليك الآن. حسان: موتك حرق قلوبنا يا صديق.

يمكنكم متابعة قاسم س. قاسم عبر تويتر | @QassemsQassem

موت خارج التغطية

ماهر منصور
لا خبر عن فلسطيني طيب ترى وسائل الإعلام العربية أنه يستحق ذكره بالاسم حين يموت، لذلك سيرحل حسان حسان ورفاقه بصمت، بعضهم ينعى رحيل بعض، هم اللاحقون ينعون السابقين، وينتظرون بدورهم اللاحقين الآخرين، لينعوهم كسابقين. من الأردن يهمس هاتف وفاء لهاتفي الإماراتي بأن حسان رفيقنا قضى تعذيباً في سجن بدمشق. بين ثلاث عواصم عربية احتاج خبر النعي أن ينتقل ليصير موت الفتى علنياً، وما من جدوى من البحث عن تفاصيل أكثر، فما من مساحة في النشرة وشريطها سوى لموتنا التقليدي في فلسطين، وبعيداً عنها، سيظل موت الفلسطيني خارج التغطية. بلا ضجيج سوى غضب رفاقه يستشهد حسان، وقد قضى الفتى حياته يغازل الضجيج، تارة على خشبة المسرح، وتارة في فيلم سينمائي قصير ميزانيته صفر إلا من محبة صانعيه وتحدي الوجود.. وتارة في برنامج إذاعي عبر «راديو اليرموك» على موقع «شبكة يرموك» يروي فيه حال المخيم. حتى في المرات التي كان فيها مخيم اليرموك خارج التغطية، كان حسان يضعه مع رفيقه حسن الطنجي، ضمن نطاق التغطية عبر فيلمها «تغطية» (تأليف جماعي) الذي روى كيف انقسم المخيم الى حاجزين لكل منهما جواز عبور، يحدده طول شعر اللحية، وبين الحاجزين وعلى طرفيهما كان رفاق المخيم كلهم بصحة جيدة، لكن كل واحد منهم صار بمكان داخل البلاد وخارجها، ومنهم من استشهد أيضاً. قبل شهرين من استشهاده، حاول حسان وزوجته الخروج من المخيم، ولكن ألقى القبض عليهما عند الحاجز، وانهالوا عليه بالضرب المبرح، فيما فقدت زوجته وعيها أمام قسوة المشهد، بعد أن اعتقدت لوهلة أن ما يحدث أمامها، ليس سوى مشهد هارب من فيلم لحسان عن ظروف الاعتقال. لكن المشهد سيمتد نحو شهرين، قبل أن ينتهي بعبارة واحدة، تناقلها الرفاق: قضى حسان تحت التعذيب.
استشهد الفتى، صار مجرد رقم في الخسائر الهامشية للحرب، فيما ثكل المخيم، وتيتم بعده كثر ممن كان حسان يخفف وجع الحصار عنهم بروح السخربة في أفلامه. مات الفتى. رحل صوته وبقيت حناجر رفاقه الغاضبة، وضحكته تجلجل في المخيم. قضى حسان على يد سجانه، كم وددت لو أسأل السجان: هل ستحمل اليوم الطعام إلى أولادك؟ وتعتقد أن ما تحمله، هو من عرق جبينك؟
لعلك عاشق ولك حبيبة تنتظرك، لتروي لها أي بطولة أبديتها في مواجهة «إرهابي» اقترف جرم الحياة، لا تنسى أن تخبرها أن حسان عريس جديد، خبرها أن له حبيبة تنتظره مثلها، وأن حسان عاشق مثلك، ولكن على يديه كانت تزهر الحياة ولا تموت.