مخيّم البدّاوي | أن تعيش في طرابلس، يعني أن تنسى أحلامك؛ فهي التي يجري تقنيصها يوميّاً على أيدي أسياد المحاور. وهذا واقع الجميع بلا استثناءٍ في هذا البلد. ولكن أن تكون فتاةً فلسطينيّةً من مخيّمٍ لللاجئين ومعك جنسيّة سوريّة، فقد أصبت بداءٍ لا دواء أو شفاء منه. أمّي تريدني أن أعمل، لكنها ترفض أن أنزل إلى بيروت. وفي الفترة الماضية أصبح ممنوعاً عليّ العمل حتى في طرابلس الملاصقة لنا؛ فالوضع سيئ جدّاً. «كيف بدّك تشتغلي هناك يعني؟ يوم آه وعشرة لأ؟ إيش هالشغل هاد؟ وفي عمليّات خطف للسوريّين هالأيّام. المخيّم أأمن إِشي صار»، كلمات الوالدة لا تزال تطنُّ في أذنيّ في كلّ مرّة فكّرتُ فيها بالعمل. أعلم أنّها خائفةٌ عليّ، وأقدّر هذا الأمر. «أصلاً»، لم يبق أحدٌ لا يخاف على أولاده، وهم ذكور، فكيف ببنتٍ مثلي؟
ومع هذا بعثتُ بنسخة من سيرتي الذاتيّة إلى بعض الوظائف. لكن لا جواب حتّى الآن.
أظنّ أنّ مجال دراستي يعوق حركتي وحريّتي «إجازة في الفنون التشكيليّة»! ماذا تستطيعين أن تعملي غير الرسم؟ اسمعهم يقولون. أو «ألا تدري أنّها لن تجد عملاً في هذا المجال هنا في لبنان؟».
يظنّ الجميع أنّني لم أدرس الأمر قبل قيامي بهذه الخطوة المشؤومة.
ولكنّني درستها جيّداً، وظيفةٌ في مدارس الأونروا كمعلّمة رسم، بمعاش جيّد. وبالفعل الأونروا طلبت معلّمين، ذهبنا، تقدّمنا للامتحان، نجحنا، ذهبنا للمقابلة، نجحنا. لكنّ أحداً منا لم يتلقّ أي رسالة تطلبه إلى أي عمل! لنكتشف في نهاية الأمر أن «الأونروا بدهاش تدفع معاشات جديدة». تباً.
عملتُ معلمّة «رميديال» لمدّة ثلاث سنين في مدارس الأونروا بمعاش قليل. ومن ثمّ أجريت عمليّة جراحية لرجلي، وبقيت جالسة هكذا بلا عمل ما يقارب أربع سنوات، تخلّلتها فرصة عمل لمدّة شهرين في موقعٍ إلكترونيّ لجريدة لبنانيّة في طرابلس.
أردتُ أن أُصبح صحافيّة ميدانية في الإعلام المرئي مثل أوغاريت دندش، لطالما كان هذا حلمي. لكن لم أستطع تحقيقه.
والآن؟ لا أشعر بأنّني سأحقّقه في أيّ وقتٍ قريب. حتّى عندما أردتُ دراسة العلوم السياسيّة في الجامعة اللبنانيّة السنة الماضية، لم أقدر.
لماذا؟ لإنّ إدارة الجامعة تريد أوراقاً حكوميّة ثبوتيّة لا أستطيع الحصول إليها إلا إذا ذهبتُ إلى... سوريا. نعم، أظنّ هذا ما يقصدونه بالموت من أجل العلم.
كلّ هذا لا يهمّ الآن. عمليّتي الثانيّة لرجلي باتت على الأبواب، ولن أستطيع العمل بعدها لما يقارب ستّة أشهر. لكن بعد أن تمضي؟ سأصبح جاهزة لأعود الى مربعي الأساسي «ابنة المخيّم» السورية تبحث عن عمل.