عدن | عاشت عدن يوم الجمعة الماضي يوماً دموياً وحزيناً في ذكرى التصالح والتسامح، التي يحيي خلالها الجنوبيون ذكرى الحرب الأهلية التي اندلعت بين أقطاب الحزب الاشتراكي اليمني في عام 1986 في جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، وذلك بعدما أدت مهاجمة قوات الجيش والأمن المركزي لمهرجان نظّمه الحراك الجنوبي في ساحة العروض بخور مكسر إلى مقتل ما لا يقل عن ستة أشخاص، فضلاً عن إصابة أكثر من 17 شخصاً، ليتعزز بذلك شعور الجنوبيين بوجود إصرار حكومي يمني على الاستمرار بتهميشهم واستهدافهم.وبحسب الناشط والإعلامي نجيب الكلدي الذي كان حاضراً في المهرجان وشهد الأحداث، فإن «ما حصل في ساحة الحرية في ذكرى التصالح والتسامح جريمة بحق شعب الجنوب»، ويمثّل «رسالة واضحة من قبل حكومة الوفاق الوطني المؤلفة حديثاً عن عدم رضاها بأن يتصالح أبناء الجنوب في ما بينهم، على الرغم من أن أعضاءً في هذه الحكومة، وخاصة من كانوا في المعارضة، طالما تبجّحوا بأنهم سوف يكونون مع الشعب».
من الحرب إلى التصالح والتسامح
يجزم الجنوبيون بأن تاريخ 13 كانون الثاني 1986 يحمل ذكرى مأساوية لأبناء الجنوب بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت بين أقطاب الحزب الاشتراكي اليمني، وسقط نتيجتها أكثر من عشرين ألفاً بين قتيل وجريح. كذلك أُلحقت خسائر كبيرة بقوات الجيش والأمن، ودمرت البنية التحتية وأفرزت صراعاً مناطقياً، وأسهمت مباشرة في دخول الجنوب في الوحدة مع الشمال عام 1990.
إلّا أن أبناء الجنوب يشيرون أيضاً إلى أنه نتيجة للمعاناة الكبيرة التي لحقت بهم منذ تحقيق الوحدة اليمنية وما تلاها من حرب اجتياح الجنوب في صيف 1994 وتسريح أفراد الجيش والأمن الجنوبيين وتدمير المؤسسات الاقتصادية ونهب الأراضي وتهميش الجنوب بكل قطاعاته، استطاعوا تحويل ذكرى المأساة إلى ذكرى تصالح وتسامح، يحتفلون بها سنوياً ضمن الفعاليات والأنشطة التي يقيمها الحراك السلمي الجنوبي الذي يطالب بفك الارتباط عن الشمال والعودة إلى ما كانت عليه الأوضاع ما قبل عام 1990.
القيادي في الحراك الجنوبي، العميد قاسم الداعري، أكد أن ما جرى في عام 1986 «نقطة سوداء في تاريخ الجنوب يجب تبييضها من خلال تعزيز مبدأ التصالح والتسامح، حتى لا يجري استغلال هذه النقطة من قبل المتربصين بشعب الجنوب». ولفت إلى أن «نظام علي عبد الله صالح، منذ حرب اجتياح الجنوب عام 1994، سخّر كل قدراته الإعلامية والمادية للتذكير بذكرى 13 يناير المأساوية بهدف إذكاء الصراعات الجنوبية الجنوبية، وخلق الأحقاد وزرع الفتن وإعادة الثارات والمماحكة في ما بين الجنوبيين وإشغالهم بأنفسهم، وهذا ما جعل صفوة الشعب في الجنوب من قيادات ومفكرين يتواصلون للتفكير في كيفية سحب البساط من تحت نظام علي صالح وترتيب البيت وتعزيز اللحمة الجنوبية وتحويل مكامن الضعف إلى قوة». وأضاف «لذلك دعوا الجنوبيين إلى الالتزام بهذا المبدأ، لأن الظروف تستدعي ذلك، حتى تُفتح صفحة بيضاء نرسم على صدرها حاضر الجنوب ومستقبله».
من جهته، يرى الناشط فيصل حلبوب أن «13 يناير ذكرى توقف فيها الزمن ليعلن انفجار الصراع الدامي بين الرفاق في عدن، حيث كان ذلك اليوم مأساوياً بما تحمله الكلمة من معنى، وخسرنا في هذا الصراع أفضل الكوادر المؤهلة، التي كان بمقدورها قيادة البلاد نحو الأفضل». وأضاف «لكن بعد حرب صيف 1994 أذاق الشماليون أبناء الجنوب مرارة العيش، وعاملوهم بقسوة، وطردونا من وظائفنا، وشنّوا حرباً شاملة بتوجيه من علي عبد الله صالح على ما هو جنوبي، وحوّلوا الشعب إلى الأفقر في العالم». وأكد أنه «بسبب هذا الجور والحكم المتخلّف انتفض شعب الجنوب ضد الوضع الراهن الذي لا يحتمل ولا يطاق، وتناسى مآسي الماضي، وهذا ما سهّل الأمر على الجنوبيين وقرّب وجهات نظرهم وولدت فكرة التصالح والتسامح».
إلّا أن حلبوب يبدي عتبه «على قيادات الخارج علي سالم البيض، وعلي ناصر محمد، وحيدر العطاس، الذين لم يتفاعلوا مع مسيرة الشعب ونضاله وتضحياته». وشدد على أن «أفكار الماضي لا تزال تعشّش في عقولهم، ولم يواكبوا الشعب في الداخل»، موجّهاً دعوة لهم «إلى الاتعاظ من الماضي، وأن يلحقوا بالشعب في الداخل الذي تصالح وتسامح ونسي الماضي».
في المقابل، يشدد الناشط السياسي، عبد السلام بن عاطف، على أنه «يجب أن نتوشّح بالسواد حزناً على قتلانا في 13 يناير 1986 وما قبلها، التي بسببها أضعنا الوطن»، موضحاً أنه «بهذه الطريقة نستطيع أن نرسل رسالة صادقة أنَّنا تغيَّرنا، ونكون قد وضعنا أساس التسامح الحقيقي الذي به يعود الجنوب».