كان كافياً أن يبدأ صدى النشيد الوطني اليمني بالتردد داخل قاعة فندق «غاليريا غولدن توليب»، الذي استضاف أمس أولى جلسات فعاليات المؤتمر الوطني «اليمن الذي نريد» بدعوة من «منظمة التغيير للدفاع عن الحقوق والحريات»، حتى يقف جميع اليمنيين رافعين شارات النصر، متمتمين «ردّدي أيتها الدنيا نشيدي: ردّدي وأعيدي وأعيدي... واذكري في فرحتي كل شهيد ... وامنحيه حللاً من ضوء عيدي... وحدتي وحدتي يا نـشـيداً رائعـاً يـملأ نفسي... أنت عهـدٌ عالـقٌ في كل ذمّــة». لكنّ واحداً اختار البقاء جالساً في مقعده. لحظات مرّت قبل أن يقرر الوقوف، ليس احتراماً للنشيد اليمني بل للمطالبة بإزالة علم «دولة الاحتلال الذي قاسى تحته الجنوبيون وعانوا من التنكيل والقمع وإهدار الحقوق والتكفير، وحتى تدمير أملاكهم ونهبها».
تحرر الناشط في الحراك الجنوبي، حسين زيد، من الثقل الذي كان جاثماً على صدره منذ انطلاق عريفة الحفل في التقديم للمؤتمر، فهدأت الضجة التي أثارها وسط حرص المنظمين على عدم توتير الأجواء. لكن إشكالية الوحدة بين شمال البلاد وجنوبها ستبقى حاضرة في المؤتمر الهادف إلى التباحث في مستقبل اليمن، على اعتبار أنها ليست سوى واحدة من بين مسائل عديدة اختار المنظمون طرحها للنقاش على مدى يومين، وسط إجماع المشاركين على أهمية المرحلة التاريخية التي يمر بها اليمن، وضرورة استكمال الثورة، وإن تعددت وجهات نظرهم في اليوم الأول بشأن رؤيتهم لمستقبل اليمن.
رئيس منظمة «التغيير والدفاع عن الحريات» سلطان السامعي، شدد في كلمته على ضرورة الحذر من نشر الفرقة بين أبناء الشعب، سواء عبر جهات داخلية أو خارجية، ودعا إلى استمرار الفعل الثوري حتى تحقيق أهداف الثورة التي بدأت في عام ٢٠٠٧ مع الحراك الجنوبي، قبل أن تنتقل إلى الشمال من تعز، لتتمدد في ما بعد إلى باقي أنحاء البلاد، واضعةً الرئيس اليمني وأركان حكمه تحت ضغط شعبي هو الأول من نوعه.
أما علي الديملي من «الشبكة اليمنية لحقوق الإنسان»، فحرص على التأكيد أن المرحلة التي يمر بها اليمن صعبة وتحتاج إلى نكران الذات والتركيز على اليمن وما يريده شباب الساحات، فيما كان لمدير مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان، نظام عساف، كلمة شدد فيها على أهمية ما أنجزته الثورة اليمنية لجهة كسر حاجز الخوف في العقول والنفوس. وأكد أن الشعب اليمني فاجأ الجميع بقدرته على الصمود، على الرغم من التآمر الخارجي الذي حصل من قبل بعض الأنظمة العربية والغربية للتحايل على مطالب الشعب. أما التحدي الأهم، فيكمن من وجهة نظر عساف في تجنيب اليمن خطر الانزلاق في شرك الحرب الأهلية، وحماية الثورة وإيجاد آلية للتوافق على العيش المشترك بين مختلف أطيافه.
أما كلمة الشباب الذين يمثّلون «القيمة الحقيقية للثورة»، فقد ألقتها الناشطة سحر غانم التي طرحت مجموعة من التساؤلات تعكس الهواجس التي تراود اليمنيين والتحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعانون منها، وستحدد مصير بلادهم في المرحلة المقبلة. وبعدما تساءلت «هل يتفق الجميع على اليمن؟ هل خرج الجميع يبحث عن اليمن عينه ضمن رؤية موحدة؟»، رأت أن ما هو مجمع عليه «أننا خرجنا جميعاً نبحث عن يمن جديد، لا مدينة أو دولة فاضلة، بل يمن نعيش فيه بأمان وسلام، تتوقف فيه حرب البسوس التي ما إن تنتهي في منطقة ما حتى تدور رحاها في أخرى». وأضافت «خرجنا نبحث عن يمن لا يشغل بال مواطنيه ما يسدّ رمقهم»، مذكرةً «بالأب اليمني الذي أحرق نفسه وبناته العشر لأنه خاف على عائلته من الانحراف بسبب الفقر». وأكدت أن اليمن المرجوّ هو «يمن لا يخجل مواطنوه من حمل جوازه». كذلك تحدثت عن أهمية الوصول باليمن إلى دولة يتمتع فيها الجميع بحقوق وعدالة حقيقية ومواطنة متساوية، يغيب فيها التمييز بين الناس على أساس مناطقي وطبقي، خاتمةً حديثها بالقول «لا نريد أن نظل تاريخاً نتفاخر به بل واقعاً معاصراً نعايش مجده». بدوره، أكد عضو اللجنة التنظيمة للثورة الشبابية الشعبية، ميزار الجنيد، في حديث مع «الأخبار»، أن اليمن الذي يريده الشباب الذين خرجوا إلى الساحات «هو يمن حر كريم ودولة مدنية، إلى جانب دستور يلاقي العصر ويعيد لليمن اعتباره».
وأقرّ العضو في الحزب الاشتراكي اليمني بأن الثورة اليمنية، بعد مرور أكثر من عشرة أشهر، بدأت تتراجع قليلاً بفعل الأخطاء السياسية للمعارضة، وبفعل التدخلات الخارجية، وتحديداً السعودية، «التي بذلت ما في وسعها لكبح جماح الثورة ومحاولة فرض رسم مستقبل اليمن بناءً على ما تريده وبما يتوافق مع مصالحها»، قبل أن يؤكد أن الحل يكون ببناء الدولة المدنية التي نالت نصيبها من النقاش بين المشاركين أمس. وهو النقاش الذي أظهر بوضوح وجود هوّة بين ما يحلم به البعض من اليمنيين من انعتاق وما يريده البعض الآخر، مثلما ظهر بوضوح أن اليمنيين لا يزالون إلى اليوم عاجزين عن تخطّي الماضي، بعد الجدل الذي أثير بشأن تأثير المراحل التاريخية التي مرَّت، وتحديداً مرحلة الإمامة وما تلاها.
أما العقيد محمد عبد الله قاسم الفهيدي، من التنظيم الوحدوي الناصري، فركز في حديث مع «الأخبار» على القضية الجنوبية، وكان له رأي مغاير للناشط في الحراك الجنوبي حسين زيد الذي طالب بإلغاء العلم اليمني. وعلى الرغم من اعترافه بوجود مظالم جنوبية في السنوات الماضية، اعتبر السقف الذي يرفعه بعض الجنوبيين، وتحديداً المطالبة بالانفصال، سقفاً مرتفعاً. وأكد أن أبناء المحافظات الشمالية عانوا بدورهم من النظام اليمني الحالي، مشدداً على أن المطلوب الآن أن يمنح الجنوبيون أنفسهم فرصة لمعايشة نظام غير نظام صالح ضمن فترة انتقالية قد يليها استفتاء يقرر على أساسها الجنوبيون ما إذا كانون يريدون البقاء ضمن الدولة الموحدة أو فك الارتباط، على الرغم من تشديده على أن الوحدة حاجة لأبناء المحافظات الجنوبية.



الانتخابات الرئاسية في موعدها


رجّح رئيس الكتلة النيابية للمؤتمر الشعبي العام، سلطان البركاني، أن يقرّ مجلس النواب اليمني قانون الحصانة المثير للجدل، للرئيس اليمني علي عبد الله صالح وأعوانه، إضافةً إلى إقرار ترشيح نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي (الصورة) مرشحاً توافقياً وحيداً للانتخابات الرئاسية المبكرة في 21 شباط.
من جهته، أكد وزير الخارجية أبو بكر القربي، في تصريحات نقلها موقع «26 سبتمبر» التابع لوزارة الدفاع، أن الانتخابات الرئاسية المبكرة ستجري في موعدها، وذلك بعد الانتقادات التي أثارها تصريحه أول من أمس، والذي حذر فيه من إمكان تأثير الأوضاع الأمنية على تنظيمها بموجب اتفاق المبادرة الخليجية لانتقال السلطة.
من جهةٍ ثانية، نقلت أسبوعية «الوسط» اليمنية عن مصدر موثوق قوله إن صالح أرسل وسطاء لاحتواء الخلاف مع نائبه هادي بشأن تنفيذ خطة لمواجهة المسلحين الذين استولوا على مدينة رداع، بسبب إصرار النائب على إرسال قوات من الجيش لاستعادة المدينة وتخاذل الحرس الجمهوري الذي يقوده نجل صالح، أحمد علي، عن القيام بدوره.
(أ ف ب، يو بي آي)