بات الحديث عن منع ايران من امتلاك قدرات نووية، أو الوصول الى دولة «حافة نووية»، أو حتى الحديث عن ضرورة العمل العسكري قبل دخول عمليات تخصيبها في «المنطقة المحصنة»، غير ذي صلة، في أعقاب بدء الجمهورية الإسلامية التخصيب في منشأة فوردو المحصنة جداً، وفي ظل إجماع الجهات المختصة على امتلاك طهران كل المقومات التي تسمح لها بتحقيق ما تقرره. اما السجالات الدائرة ما بين اسرائيل والولايات المتحدة وداخل كل منهما، فيبدو انها باتت تقتصر حول ما إذا كان هناك قرار ايراني بتطوير اسلحة نووية، والمدى الزمني الذي يمكن ان يستغرقه ذلك.
في ضوء ذلك، يصبح مفهوماً الخطاب الاسرائيلي على لسان رأس الهرم السياسي والامني، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن «من الممنوع السماح لايران بتطوير قنبلة نووية»، بعدما كان في مراحل سابقة يركّز على منعها من امتلاكها قدرات نووية، علماً ان الفرق بينهما شاسع جداً. أيضاً يصبح من المفهوم لماذا ابتلع وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، خطوطه الحمراء السابقة، حول ضرورة التحرك عسكرياً قبل دخول ايران «المنطقة المحصنة» والبدء بالتخصيب في منشأة فوردو بالقرب من مدينة قم.
بموازاة ذلك، أقر رئيس الاستخبارات العسكرية، الذي انتهت ولايته قبل اشهر، اللواء عاموس يادلين، بأنه «اذا ما اجتمع الايرانيون اليوم وقرروا أنهم سيطورون قنبلة سرّاً، فلديهم كل الوسائل والعناصر للقيام بذلك»، مضيفاً في لقاء مع صحيفة «معاريف» أن ايران بلغت «نقطة اللاعودة»، بحسب الوصف الذي اطلقه بعض الناس في الماضي، مشدداً على أن الجدول الزمني «لم يعد منوطاً بروزنامة السنة، بل بقرار ايراني».
وفي موقف ينطوي على قدر من الشعور بالخيبة وفوات الأوان، وفي الوقت نفسه على الادانة للأداء الاميركي، رأى يادلين، الذي بات أكثر تحرراً من قيود المنصب الرسمي، ان التقدير الاستخباري الاميركي في العام 2007، حول أن ايران ليس لديها برنامج نووي عسكري، كانت له اضرار كبيرة «ليس لجهة شن هجوم عسكري» بل لجهة «عدم فرض عقوبات مشددة على طهران التي لو تمت قبل ثلاث سنوات وبتصميم اشد، لكان من الممكن الآن تحقيق نتائج ناجعة وما كان هناك حاجة للحديث اليوم عن هجوم عسكري».
الى ذلك، يبدو أن المشكلة لم تعد محصورة في تقييم المرحلة الماضية، بل تطاول ايضاً تقدير مسار العقوبات والنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها، إذ ذكرت صحيفة «معاريف» أن التقدير السياسي في القدس، هو أنه لم يتبق الكثير من الوقت للتأكد ما إذا كانت المساعي الدبلوماسية ستعطي بالفعل ثمارها وتنجح في كبح البرنامج النووي الايراني.
وبالرغم من أن باراك أكد قبل يومين، في مقابلة مع اذاعة الجيش، أن طهران لم تتخذ حتى الآن قراراً بامتلاك سلاح نووي، ذكرت صحيفة «معاريف» أن المسؤولين في الساحة السياسية يرفضون التمييز الجديد، الذي تضعه المؤسسة الامنية، بين امتلاك ايران قدرة نووية، وبين قرارها بتطوير سلاح نووي، لأن المهم هو أن ايران لا تزال تطور برنامجها النووي.
في المقابل، رأى نائب المدير العام للشعبة الإستراتيجية في وزارة الخارجية، جيرمي يسخروف، والمسؤول عن «الملف الإيراني»، أن العقوبات لا تزال «ذات صلة بالموضوع، لكن ليس لوقت طويل»، مشيراً في الوقت نفسه الى أن «امتلاك الايرانيين مقومات القنبلة النووية، او الوصول الى القدرة على صنعها رهن بالقرار السياسي» في طهران. وأقر يسسخروف، الذي يتابع الملف الايراني منذ 15 عاماً، ان الدبلوماسية وإن أدّت الى تأخير البرنامج النووي الايراني إلا أنها «لم تحقق حتى الآن الهدف»، معترفا بأنه «لا قدرة حتى الآن على وقف البرنامج النووي الايراني كلياً».
من جهة اخرى، ذكر موقع واللاه، العبري، ان وزير الشؤون الاستراتيجية موشيه يعلون «نجح في استفزاز الاميركيين عندما قال إنهم لا يفرضون عقوبات على ايران بسبب سنة الانتخابات»، مشيرا الى ان رئيس اركان الجيوش الاميركية، الجنرال مارتين دمبسي، سيحاول معرفة نوايا اسرائيل حيال المشروع النووي الايراني وسيعرض الخطوط الحمراء الاميركية على هذا الصعيد. في المقابل، اكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية، فيكتوريا نولاند، للمراسلين الاسرائيليين ان هناك مخططاً اميركياً واضحاً وجدولاً زمنياً محدداً لتنفيذ العقوبات على ايران بحجم لا سابق له، واصفة العقوبات على طهران، على عكس ما قاله نتنياهو قبل ايام امام لجنة الخارجية والامن، بأنها واقعية.
وكان ديمبسي قد بدأ أمس زيارته لإسرائيل، حيث من المتوقع أن يجري لقاءات مع المسؤولين في الدولة العبرية، وسط توقعات أن تتمحور حول التحذير من ضرب إيران، باعتبار أنه سيضر بالمصالح الأميركية.