«كالعصفور الذي خرج لتوّه من القفص»، هكذا عبّر أحد المتحدثين باسم جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر عن شعوره وجماعته، منذ أيام لإذاعة أميركية. لكن الإعلام الأميركي، بمعظمه، لم تجذبه شاعرية «الإخوان»، بل حاول نبش أرشيفهم «الإرهابي»، وشكك بـ«اعتدالهم» وسأل عن كيفية التعاون الأميركي الرسمي معهم في المستقبل. وبعدما باتت الفرضيات واقعاً، ووصل «الإخوان» والسلفيون إلى السلطة في مصر، اقترح بعض المحللين سيناريوات لكيفية حكم الإخوان للبلاد، هل يُعتمَد النموذج الباكستاني؟ ماذا عن التركي؟

أم هل ستكون مساكنة بالإكراه بين الإسلاميين والعسكر لن تخلو من أزمات ومشاكل وتشنج؟ فيما سأل البعض الآخر عن التركة الاقتصادية الثقيلة الموروثة عن عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، كيف سيحلّون المشاكل الاقتصادية والإنمائية في بلادهم؟ والسؤال الأهمّ المكرر كيف سيتعامل «الإخوان» مع إسرائيل؟ هل يتخلون عن معاهدة السلام معها؟
«الشريعة» و«النهج المحافظ» و«التطرّف»، عبارات لا تكاد تغيب عن قراءات بعض المتابعين الأميركيين لأحوال مصر والمنطقة في الأيام الأخيرة. البعض هوّل من وصول الإسلاميين إلى الحكم، والبعض الآخر تطلّع إلى إبقاء السلطة الفعلية بيد العسكر، وآخرون نعوا الثورة المصرية وقليلون قالوا «فلننتظر ونرى».
«هدف الإخوان المسلمين هو إقامة دولة إسلامية تعتمد الشريعة مصدراً للتشريع»، يقول إريك تراغر من «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى». تراغر، في مقال تهويلي عن «الإخوان» ومخاطر وصولهم إلى السلطة في مصر، يردف قائلاً: «إنهم يريدون تطبيق الشريعة على نطاق أوسع بكثير مما كانت عليه أيام مبارك. لذا، إن السياسة الداخلية المصرية ستتغيّر جذرياً». الباحث الأميركي يعدد كل «التهديدات» التي سيواجهها المجتمع المصري «كتكرار القياديين في الجماعة نيّتهم منع الكحول وارتياد الشواطئ، وتطبيق تعاليم القرآن على المصارف بإلغاء نظام الفوائد»، «الأمر الذي سيكون كارثياً على السياحة والاستثمارات والعمليات المصرفية» يرى تراغر. ويتابع: «الإخوان يؤكدون أنهم لن يسمحوا بانتقاد الشريعة والدين الإسلامي من المسيحيين ولا من العلمانيين». «التطرف بدل الواقعية»، هكذا يصف تراغر الأسلوب الذي سيعتمده الإخوان المسلمون في السياسة الخارجية. ويشرح أنهم سيقومون في المستقبل بفك ارتباط مصر بكل القوى الغربية لتطبيق «سياسة خارجية إسلامية، تكون معاهدة السلام مع إسرائيل أولى ضحاياها». تراغر يوضح في مقاله أنه عندما نتكلم على «حزب الحرية والعدالة» المصري، نعني به «الجناح السياسي للإخوان المسلمين، وهو سيطبق سياستها وتعاليمها مهما أكّدت الجماعة استقلاليته». وتأكيداً لسوداوية المشهد الذي يعرضه، يخلص الكاتب إلى القول إنه «حتى لو أراد الإخوان الاعتدال في حكمهم، فإن السلفيين، الذين يشاركونهم الحكم، سيحولون دون ذلك».
مخاوف تراغر تردد صداها في تقرير إذاعي لـ«ناشيونال بابليك راديو» الأميركي من القاهرة، وهذه المرّة استخدمت المراسلة الإذاعية أقوال بعض المسؤولين في الإخوان وفي «حزب الحرية والعدالة» لتشير إلى مستقبل غير مطمئن ينتظر مصر. «الإخوان المسلمون سيقاتلون من أجل معتقداتهم إذا لزم الأمر»، هذا ما قاله القيادي في «حزب الحرية والعدالة» محمود غزلان للإذاعة الاميركية، وهذا ما رأته المراسلة مؤشراً على ترقّب «تشنّجات» بين المجلس العسكري الحاكم و«حزب الحرية والعدالة» ذي الغالبية التمثيلية في البرلمان. هذا ما يؤكده أيضاً الباحث في معهد «بروكينغز» شادي حميد، الذي يقول إن «الإخوان يريدون شيئاً مختلفاً جداً عما يريده العسكر. فهم سيعملون على بناء برلمان قوي ذي دور فاعل، والمجلس العسكري يريد برلماناً ضعيفاً نسبياً». لذا، يشرح حميد، «فالتسوية هي سيدة الموقف الآن، والا فالأمور ذاهبة إلى مواجهة كاملة بين العسكر والإخوان».
وفي هذا الإطار، يشير غزلان، إلى أنه «لا يمكننا أن نقول للعسكر إنهم سيحاكمون مثل مبارك عند تسليمهم السلطة. لذلك، من أجل المصلحة العليا للبلد، يجب طمأنة المجلس العسكري لتفادي حمام دماء آخر». «لكن هذا هو الموقف الذي تبني عليه القوى الليبرالية نظريتها بأن الإخوان عقدوا صفقة مع المجلس العسكري لتقاسم الحكم»، تشير المراسلة الإذاعية.
«إما أن الإخوان يتلاعبون بالأجانب فيتلون عليهم ما يرغبون في سماعه، وإما أنهم ما كانوا فعلياً يتوقعون الوصول إلى البرلمان وهم ما زالوا يتخبطون للتوفيق بين معتقداتهم ومسؤولياتهم تجاه الخارج»، يفترض توماس فريدمان في «نيويورك تايمز»، مرجحاً النظريتين معاً. فريدمان يضيف: «على السياسيين الأميركيين أن يعوا أنه في الأحزاب الإسلامية، كما في أي حزب آخر، هناك المتطرفين والمعتدلين والوسطيين. ونحن نجهل لغاية الآن أي خطّ منهم سيحكم مصر. لذلك، في جميع الأحوال، على الإدارة الأميركية أن تتعامل بهدوء وحزم مع الإخوان لتأكيد احترام الحريات والأقليات ومعاهدة السلام مع إسرائيل».

تركية أم باكستانية؟

من بين السيناريوات التي تكررت بشأن شكل الحكم في مصر، اثنان: الأول هو النموذج الباكستاني، والثاني نموذج حكم حزب «العدالة والتنمية» في تركيا.
أولاً، بالنسبة إلى النموذج الباكستاني، كثيرون شبّهوا مصر الجديدة بباكستان: ديموقراطية برلمانية بحكومة منتخبة يسيطر عليها العسكر وبعض القوى الدينية.
لكن عارف رفيق، على موقع «ذي ناشيونال إنترست» الأميركي، يقول إن حكّام مصر قد يتعلّمون من أخطاء الباكستانيين ليتفادوا بعض سيئات حكمهم، ويقدّم بدوره ٥ نصائح للمسؤولين المصريين، هي: لا تدعوا العسكر يحكمون المواطنين من خلال تقسيمهم. اعملوا على تقوية البرلمان وتفعيل دوره وقدراته. اختاروا السلطات التي تريدون اقتصاصها من العسكر. اعتمدوا سياسة اقتصادية متناسقة لتجنّب فقدان ثقة الشعب. حافظوا على حقوق الأقليات لتمكين الوحدة الوطنية، وذلك عبر تحالف الإخوان مع القوى العلمانية والاتفاق على حماية حقوق الأقباط مثلاً في نص الدستور الجديد.
أما عن النموذج التركي، فيوضح شادي حميد في مجلة «فورين أفيرز»، أن «إخوان» مصر في السنوات الماضية، «حيّدوا أنفسهم عن إسلاميي تركيا وانتقدوا سياسة حزب رجب طيب أردوغان لابتعاده عن البرنامج الاسلامي». لكن، يشرح الكاتب، «مع وصول إخوان مصر إلى السلطة، ها هم يتطلعون إلى اعتماد النموذج التركي في حكمهم، وخصوصاً في ما يتعلق بالناحية الاقتصادية». وهنا، يردف الكاتب، سيلتزمون مبدأ «إذا رفعت المستوى المعيشي للمواطنين فهم سيستمعون إليك في باقي الشؤون غير الاقتصادية». حميد يضيف: «لذلك، ليس من المستغرب أن تكون معالجة المشاكل الاقتصادية من أولويات حزب الحرية والعدالة المصري. وبالتالي إعادة هيكلة النظام السياسي وتعديل المواد الدستورية بطريقة تعطي للمجلس التشريعي سلطات أكبر وأفعل». طبعاً، لا يتجاهل الكاتب وجود السلفيين في الحكم، ويقول إن «ذلك قد يكون عقبة في طريق تحقيق النموذج التركي (...) لذا على الإخوان أن يحددوا إن كانوا سيميلون إلى الوسط والتحالف مع القوى الليبرالية أو سيتجهون إلى اليمين ويتحالفون مع السلفيين... أو قد يقومون بالأمرين معاً».
«إن نموذج حزب العدالة والتنمية لا يكفي لإزالة أي مخاوف تتعلق بوصول الإسلاميين إلى الحكم»، يقول فريدمان محذّراً من أداء الحزب التركي الذي لم يخل حكمه من سجن الصحافيين وتردي أوضاع حقوق الإنسان في تركيا.



على واشنطن أن...

بعد فتح الإدارة الأميركية قنوات اتصال مباشرة مع «الإخوان المسلمين» في مصر، برزت بعض المخاوف الصحافية من «مدى تأثير الولايات المتحدة على سياسة «الإخوان» المستقبلية، وهي الجماعة التي تعلن عداءها للقيم الغربية».
في هذا الإطار، سجّل إريك تراغر في «معهد واشنطن للشرق الأدنى» طلبات ملحّة على الإدارة الأميركية أن تفي بها خلال رسم أطر تعاملها مع مصر الإخوانية، ومنها: أن تعبّر إدارة باراك أوباما بطريقة أكثر مباشرة عن قلقها حيال الأقليات الدينية في ظل الحكم الإسلامي وضرورة احترام حقوقهم وحرياتهم. أن تصرّ على إبقاء معاهدة السلام مع إسرائيل وأن تبلّغ الإخوان المسلمين أن إجراء أي استفتاء على الموضوع سيعدّ محاولة لإلغائه. أن تطلب الإدارة إقصاء «الجماعة الإسلامية» عن أي حكومة ينوي الإخوان تأليفها، وذلك لكونها «تنظيماً إرهابياً».
كذلك يجب الحثّ على ضرورة الحفاظ على أمن سيناء لتجنب أي أزمة مع إسرائيل.