نواكشوط | رغم تراجع السعوديين والقطريين عن وعودهم الاستثمارية، وبينها مشروع العوجة المنجمي، الذي كان مقرراً تمويله بملياري دولار بتعاون من شركة «أسفير» الأوسترالية، فإن شركة حديد موريتانيا استطاعت بجهودها الذاتية صهر العوائق وتحقيق المعجزات من دون الأموال الخليجية. وقالت شركة حديد موريتانيا، التي تستخرج الحديد من مدينة أزويرات، إنها حققت خلال السنة المنصرمة رقم أعمال تاريخياً بلغ 415 مليار أوقية، بحيث بلغ حجم المبيعات من الحديد 2.11 مليون طن. وأضافت، في بيان لها، إن حصيلة عمليات الشركة بلغت في 31 كانون الأول الماضي رقماً قياسياً تاريخياً للإنتاج المعدني تجاوز 105ملايين طن، أي ما يمثل نسبة 21 في المئة مقارنةً بالعام 2010.
وأشار البيان إلى أن الشركة قرّرت رفع إنتاجها للعام الحالي بنسبة 14 في المئة، وهو ما يعادل 121 مليون طن، مقارنةً بالعام 2011، من خلال بيع 11,8 مليون طن من الحديد. وأكّد المدير العام للشركة، المهندس محمد عبد الله أوداعة، أنّه «ينبغي أن تنصبّ الجهود خلال العام الجاري على نوعية الإنتاج والخدمات والتسيير المعقلن لموارد الشركة، والتحكم في حجم الإنتاج». وجاء تحقيق هذا التطور الجديد بعد عزوف الدول الخليجية عن الاستثمار في مناجم حديد موريتانيا، إثر وعود متكررة لم يتم الالتزام بها، نتيجة ربط هذه التمويلات بإملاءات سياسية.
وتستخرج شركة حديد موريتانيا المملوكة من قبل الدولة الموريتانية، الحديد، وتوظف أطول قطار في العالم لنقل فلزات الحديد من أقصى الشمال الموريتاني المتاخم للجزائر والمغرب، إلى ميناء منجمي في نواذيبو، حيث يأخذ الحديد طريقه إلى الأسواق الدولية، عبر ستة قطارات منجمية يومياً، ويبلغ طول القطار الواحد منها كيلومترين، وتقوم رؤوس القطارات بسحب 250 قاطرة عملاقة، تحمل كل واحدة منها 14طناً من الحديد.
في غضون ذلك، أعلنت الحكومة الموريتانية أنها سترصد 150 مليون دولار لمواجهة الجفاف غير المسبوق، الذي يعرّض ملايين المواشي للأخطار. ويأتي هذا القرار ضمن استراتيجية حكومية لمواجهة آثار الجفاف المترتبة على نقص الأمطار. وأوضح مصدر رسمي أن رئيس الوزراء، مولاي ولد محمد لقظف، ترأس اجتماعاً للجنة الوزارية الخاصة بالبرنامج الذي أطلق «أمل 2012».
وخُصص الاجتماع للمصادقة على مخطط تنفيذ البرنامج في كافة مكوناته. ويشمل المخطط توزيعات مجانية للمواد الغذائية على السكان الأكثر تضرراً من الجفاف، اضافة الى مكونات أعلاف الحيوانات والآبار الرعوية والتغذية والصحة الحيوانية، ومن المقرر أن تنطلق هذه التوزيعات في الأماكن المستهدفة خلال أيام.
وكانت موريتانيا قد أقرت البرنامج في تشرين الأول الماضي، بميزانية وصلت إلى 45 مليار أوقية، أي ما يعادل 150 مليون دولار أميركي، وتتولى الحكومة توفير نصف المبلغ، فيما دعت شركاءها في التنمية، والممولين، إلى تقديم النصف الباقي. ويبدي المربّون والمزارعون مخاوفهم من نفوق المواشي جراء الجفاف، وسط ارتفاع مذهل لأسعار علف المواشي، وخصوصاً القمح الذي وصل سعر الطن الواحد منه هذا الأسبوع الى ما يعادل 500 دولار أميركي.
وتشهد موريتانيا جفافاً غير مسبوق، يُعرّض ما يناهز المليون شخص لمجاعة وشيكة، كما يقول الاتحاد الأوروبي. وقد دقت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ناقوس الخطر، وحذرت مفوضة الاتحاد الأوروبي للمساعدات الإنسانية، كريستالينا جيورجيفا، من أن أزمة غذاء تلوح في أفق منطقة الساحل الأفريقي. وقالت إن دول الساحل الخمس (بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد) تعدّ ضمن البلدان الأكثر عرضة لخطر نقص المواد الغذائية الرئيسية خلال الأشهر المقبلة.
وأضافت جيورجيفا، في بيان لها، إنه «في غضون أشهر سيعاني الناس المجاعة ما لم يجرِ التصرف حيال الأمر». وأشارت إلى أن المفوضية تقوم في كل عام بإنقاذ 200 ألف طفل من سوء التغذية الحاد «إلّا انه يتعين علينا أن نضاعف مجهوداتنا». وخصص الاتحاد الأوروبي 225 مليون يورو لسكان الساحل قبل أعوام.
وأمام هذه التحديات لا يبدو الأشقاء العرب مهتمين بالوضع الغذائي الخطير في موريتانيا، وهو ما يرجعه مراقبون في نواكشوط إلى امتعاض الدول النفطية والغازية من استقلالية القرار الموريتاني، ورفضه الخنوع للاملاءات، إضافة الى علاقته بعواصم الرفض في طهران ودمشق والجزائر.