رام الله | في فلسطين، وبعد استحقاق أيلول الأممي، وصلنا إلى كانون الثاني، وبالتحديد إلى تاريخ 26، الذي حددته «اللجنة الرباعية للسلام» كآخر يوم لمهلة الأشهر الثلاثة لتقديم تصوُّر الحدود والأمن، والأهم لوقف الاستيطان. لكن أياً من هذه الأمور لم يحدث، وعمليات «استكشاف عمّان» لم تحمل جديداً. حتى عندما قدمت إسرائيل 21 بنداً، قال الرئيس محمود عباس إنها لا تحمل أي جديد، فما هي خيارات الفلسطينيين بعد انتهاء المهلة غداً؟ لا تبدو السيناريوات المتاحة كارثية أو دراماتيكية، ذلك أنه أُعلن عنها حتى قبل شهر أيلول، ويعيدها كافة أفراد القيادة الفلسطينية، ومنهم عضو المجلس الثوري لحركة «فتح» أمين مقبول الذي التقته «الأخبار»، إلى الاستراتيجيا الفلسطينية ما بعد 26 كانون الثاني.
يؤكد مقبول أنه إذا ما انتهت لقاءات عمّان من دون أن تقدم الحكومة الإسرائيلية تصوُّراً واضحاً بشأن الحدود والأمن، ولم توقف الاستيطان، فالقرار واضح وأُعلن سابقاً، وسيكون وقف هذه اللقاءات نهائياً. كلام مشابه صدر عن مسؤول فلسطيني «رفيع المستوى»، فضّل عدم الكشف عن هويته لوكالة «فرانس برس»، عندما لفت إلى أن «اللقاءات الاستكشافية ستنتهي بحسب الموعد المتفق عليه مع اللجنة الرباعية ما لم توقف إسرائيل الاستيطان في عموم الأراضي الفلسطينية، بما فيها في القدس الشرقية».
أما الخطوة الثانية فستكون، بحسب مقبول، اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي وكافة المنظمات الأممية، وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، لطلب العضوية الكاملة لفلسطين، والبدء بملاحقة إسرائيل على كافة المستويات. ويرى أن الأهم هو تسريع وتيرة اتفاق المصالحة الوطنية وتنفيذ بنوده التي تتضمن تغييراً جذرياً في البنية الحكومية، وتأليف حكومة «وفاق وطني» جديدة من مستقلين لقيادة المرحلة المقبلة. أكثر من ذلك، فـ«سنصعّد مقاومتنا الشعبية ونفعّلها، وسنذهب لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي بكافة أشكال النضال الشعبي والسياسي» وفق تعابير مقبول. رغم هذه الخيارات، يشير مقبول إلى وجود أخرى غير معلنة تُدرس في أروقة القيادة الفلسطينية حالياً، وأفكار تطرح من كافة المستويات الشعبية، تجري دراستها من كافة الجهات ذات الاختصاص لاتخاذ القرار المناسب لهذه المرحلة. لكن رأي الشارع مختلف عن رؤية القيادة الفلسطينية لما بعد مهلة الأشهر الثلاثة، إذ يعتقد محمد، من رام الله، أن السلطة الفلسطينية «حدّدت خياراتها منذ زمن بعيد، وهي تجدّد هذه الخيارات يومياً، وهي المفاوضات، ولا أعتقد أن لدى السلطة أي خيارات أخرى، سواء قبل أو بعد 26 كانون الثاني، ولم يكن هناك حاجة إلى انتظار موعد 26 كانون الجاري، فالسياسة الإسرائيلية واضحة المعالم والخيارات لمن أراد أن يراها».
في المقابل يرى حسين، من نابلس، أن «مرحلة جديدة من الضغط على إسرائيل ستبدأ بعد هذا التاريخ»، ذلك أنه يعتقد بأن الرئيس عباس سيكون في وضع «لا يُحسد عليه، وسيكون أكثر حزماً في ما يتعلق بالشروط الفلسطينية، وقد يعني ذلك توتر الأوضاع على الأرض لتحريك الأطراف الدولية».
أما أحمد، من القدس المحتلة، فيتوقع ألا يحمل تاريخ 26 الجاري جديداً، ويعرب عن اعتقاده بأن دولة الاحتلال قرّرت الانسحاب من عدة أماكن من الضفة الغربية المحتلة، والقيام بمزيد من الخطوات لمنع انفجار الموقف، شرط ألا يبقى شرط الاستيطان هو الأساس لدى السلطة الفلسطينية. غير أن الأكاديمي الفلسطيني غسان أنضوني يرجّح ألا تحمل مرحلة ما بعد غد أي خيارات دراماتيكية، «مثلما لم يكن هناك خيارات قبل هذا التاريخ، لأنه لا يمكن أن يكون هناك خيارات إلا اذا كان هناك حرب». قيادة «القوى الوطنية والإسلامية» اجتمعت هي الأخرى، وشددت على التمسك بقرارات اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، بما يتصل «بعدم العودة إلى أي لقاءات أو مفاوضات قبل وقف الاستيطان، ودون مرجعية واضحة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي». كذلك دعا بيان «القوى الوطنية والإسلامية» إلى ضرورة عودة السلطة الفلسطينية إلى «الاستراتيجيا الوطنية الموحدة الجامعة بكل عناوينها، والمطالبة بمؤتمر دولي للسلام تحت رعاية الأمم المتحدة يلزم حكومة الاحتلال بالانصياع لتطبيق قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي»، هذا إضافة إلى «المضي قدماً بإنجاح المصالحة لاستعادة الوحدة الوطنية».
هذه التطورات تتسابق مع مساعي دبلوماسية غربية، أميركية وأوروبية، لاحتواء الفشل الجديد لـ«الرباعية الدولية» والولايات المتحدة، إذ عقد نائب وزيرة الخارجية الأميركية ويليام بيرنز عدة لقاءات مع المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين، بينما وزير التعاون الفرنسي هنري رينكار هو الآخر في المنطقة، فيما وصلت مفوضة الشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون إلى المنطقة «لبذل كل الجهود لدفع محادثات السلام قدماً، وتشجيع الأطراف للوصول إلى حل تفاوضي» على حدّ تعبيرها. كل ذلك بموازاة تعيين الاتحاد الأوروبي دبلوماسياً ألمانياً ممثلاً خاصاً له لعملية السلام في الشرق الأوسط. ويتسلم أندرياس راينكه، الذي يشغل حالياً منصب سفير ألمانيا في سوريا، مهماته في الأول من شباط المقبل حتى 30 حزيران 2013، ليحل مكان البلجيكي مارك أوتي. وتضمّن برنامج عمل آشتون لقاءً مع وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، ثم الرئيس شمعون بيريز ورئيس الحكومة سلام فياض في رام الله. كذلك ستلتقي مندوب اللجنة الرباعية طوني بلير، قبل أن تتوجه اليوم إلى قطاع غزة للقاء ممثلين عن المجتمع المدني، من دون أن تجتمع بمسؤولين من حركة «حماس». وسيلي ذلك لقاء مع الرئيس عباس مساء اليوم، ثم رئيس الحكومة العبرية بنيامين نتنياهو. واللافت أمس كان قول نتنياهو إن مهلة «الاجتماعات الاستكشافية في عمان لبحث استئناف مفاوضات السلام تنتهي في 3 نيسان، وليس في 26 كانون الثاني.
وكانت صحيفة «معاريف» العبرية قد نقلت عن دبلوماسيين أوروبيين قولهم إن «الرباعية الدولية» تمارس ضغطاً على إسرائيل من أجل العمل على إنقاذ أبو مازن خوفاً من سيطرة «حماس» على الضفة الغربية أيضاً.
يبقى الأكيد بالنسبة إلى الشارع الفلسطيني أنّ أي خيارات ستذهب إليها القيادة، سيكون أحلاها مرّ، وبالتالي هناك ترقّب لحالة انفجار قد تحدث من الشارع نفسه الذي لم يستطع لمس تغييرات على الأرض، رغم التحفيز الذي وصله من «الربيع العربي» المستمر.