القاهرة | كسر الشعب المصري توقعات المحللين والقوى السياسية، فعمّد ذكرى ثورته، أمس، بأكثر من مليون شخص زحفوا من شوارع وحواري محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية إلى «كعبة» الثوار، «ميدان التحرير». حشود توزعوا على محافظات مصر التي خرج ثوارها إلى الشوارع الرئيسية والميادين، يعدون شهداءهم بنيل القصاص من قاتليهم، ويهتفون ضد حكم العسكر: «الشعب يريد إعدام المشير»، و«يا مصري انزل من دارك، الطنطاوي هو مبارك». مشاهد مهيبة زاد من إثارتها حازم حسام عبد الصبور، أول مولود خرج إلى الحياة في ميدان التحرير عند اندلاع الثورة قبل عام.
من نفس الأماكن القديمة التي خرج منها الثوار، قبل عام، وربما في التوقيت نفسه، وبمشاركة غالبية المرشحين الرئاسيين، بمن فيهم المرشح السابق محمد البرادعي، خرج الثوار في الذكرى الأولى. الآلاف، منذ فجر يوم أمس، شاركوا في مسيرات لإحياء ثورتهم، بالأعلام المصرية والهتافات التي تطالب بتسليم السلطة. «واحد اثنين، تسليم السلطة فين» كان من أبرز الشعارات، إضافة إلى مطالب بأخذ حق الشهداء، ومحاكمة المشير حسين طنطاوي والمجلس العسكري، وإنشاء محاكم ثورية لإعدام الرئيس السابق حسني مبارك ورجال نظامه تحت عنوان «المحاكمة للعصابة الحاكمة»، مع دعوة جديدة إلى اعتصام مفتوح بلسان من صرخوا «قايم نايم في التحرير، والأسفلت عملته سرير».
المسيرات الشعبية التي زحفت من الأطراف إلى الميدان اتفقت جميعها على الهتاف القديم: «الشعب يريد إسقاط النظام»، على اعتبار أن رأس النظام سقط، لا كل النظام. واتفقت المسيرات قبل دخول الميدان على قراءة الفاتحة على أرواح الشهداء، على أنّ أبرزها كانت مسيرة انطلقت في الحادية عشرة صباحاً، من مناطق الجيزة وأحيائها، وضمت عشرات الآلاف الذين هتفوا وراء أحد الثوار «لسه الأزمة في الأنابيب والغاز بيروح تل أبيب»، و«أيوا بنهتف ضد العسكر... يسقط حكم العسكر». هذه المسيرة قبل أن تصل إلى ميدان التحرير، التقت في ميدان الجلاء بمسيرة أخرى، أتت من بولاق وشوارع الجيزة، وكان المشاركون فيها يهتفون «شمس بتطلع... سما بتمطر... برضو هيسقط حكم العسكر»، قبل أن يوحدهم هتاف واحد «الشعب يريد إسقاط المشير».
ومن جامعة عين شمس، خرج آلاف الطلاب والأساتذة هاتفين: «من عين شمس للتحرير رايحين نسقط المشير». ومن دوران شبرا، ومسجد الخازندارة، التقى عشرات الآلاف من المتظاهرين من أحياء القاهرة والقليوبية، مع عدد كبير من الرموز السياسية، ومشوا معاً في مسيرة جابت شوارع شبرا ومرت إلى منطقة رمسيس، فانضمت إليها أسر بعض شهداء ماسبيرو، ونشطاء قوى سياسية بينهم نشطاء من تيار الاشتراكيين الثوريين الذين ارتدوا أقنعة «فانديتا»، وأقنعة عليها صور الشهداء. المشاركون في المسيرة هتفوا ضد المجلس العسكري وكرروا هتافات «يا طنطاوي صح النوم النهاردة آخر يوم»، و«جوا كنيسة جوا الأزهر... يسقط حكم العسكر».
ثماني منصات وضعت في ميدان التحرير، واحدة كبيرة لـ«الإخوان المسلمين»، وثانية صغيرة للسلفيين، وست منصات للقوى اليسارية والليبرالية، بما فيها منصة حزب الوفد. كل منصة عكست رؤية كل قوى؛ «الإخوان» الذين باتوا أصحاب رئاسة مجلس الشعب، وغالبية مقاعد البرلمان، كانوا الأكثر هدوءاً ومهادنة. لم يهتفوا ضد العسكر، بل طالبوا بالقصاص للشهداء وبمحاكمات عاجلة لمبارك ولنظامه، فيما طالب السلفيون، من على منصتهم، بتطبيق الشريعة الإسلامية «الجهادية السلفية... عايزين شريعة إسلامية». كذلك فإنهم لم يهتفوا ضد العسكر، وهذا ما كان مختلفاً تماماً عن مطالب باقي أرجاء الميدان مع هتافات مئات الآلاف ضد العسكر، ومطالبتهم بمحاكمة جنرالات العسكر، وتسليم المجلس العسكري السلطة لمجلس الشعب، وانتخاب رئيس الجمهورية وإنشاء محاكم ثورية لأركان نظام مبارك وقتلة الثوار، ووضع ضوابط ومعايير الدستور الجديد بعيداً عن رؤية العسكر والمجلس الاستشاري له، وتحقيق العدالة الاجتماعية ووقف الخصخصة، وإلغاء حالة الطوارئ «نهائياً»، لا جزئياً كما أعلنها المشير طنطاوي أول من أمس. كل ذلك إضافة إلى إعادة هيكلة جهاز الشرطة واستقلال القضاء وعزل النائب العام وتطهير الإعلام، وكفالة حرية الرأي والتعبير.
في الميدان، وزع النشطاء كرّاساً سمّوه «قسم الثائر المصري»، وجاء فيه: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على مبادئ ثورة 25 يناير، وأن أجاهد من أجل حقوق الشهداء والمصابين، وأن أقاوم كل ظلم أو استبداد أو فساد ما حييت».
المشهد لم يختلف كثيراً في المحافظات، حيث كان هناك ميدان تحرير مصغَّر. هكذا كان الوضع في السويس، وفي الإسكندرية حيث خرج عشرات الآلاف من أمام كنيسة القديسين ومسجد القائد إبراهيم. وفي الوجه البحري والصعيد ومدن القناة، كان الأمر مماثلاً: صور للشهداء وأعلام مصرية ومسيرات ضخمة رفعت شعارات «الثورة مستمرة»، و«القصاص للشهداء»، ورحيل العسكر عن السلطة. المجلس العسكري الذي تلقّى لكمات الثوار في ذكرى ثورتهم، قال بيان له على صفحته على موقع «فايسبوك»: «توقعنا الثورة، ورأيناها وذلك قبلها بأشهر طويلة، وانتظرناها، ولم نكن نعرف من يفجرها. حتى رأينا بأعيننا شباب الثورة وهم يبذلون أرواحهم في سبيل مصر، أمام أعتى أدوات القمع وأشدها، فانحزنا إلى الثورة، وأيدناها ونصر الله شعب مصر». ورغبة منه في إظهار صورة جيدة عن نفسه، خطّط الجيش لاحتفالات حاشدة بذكرى الثورة، تشمل عرضاً بحرياً قبالة الإسكندرية، وعروضاً جوية في القاهرة وألعاباً نارية في أنحاء مختلفة من البلاد. إلا أن هذه الاحتفالات الرسمية لم تثر الانتباه كثيراً، بما في ذلك تغطية التلفزيون المصري الحكومي. كذلك صك المجلس العسكري عملات تذكارية، وبدأ منذ أمس، بإخلاء سبيل نحو ثلاثة آلاف معتقل بناءً على عفو في المناسبة، شمل المدوِّن مايكل نبيل الذي اعتقل بسبب انتقاده الجيش.
وقد رجّحت معظم التوقعات أن يبيت الآلاف من المتظاهرين لياليهم في ميدان التحرير.