انتهى عام 2011 وأتى 2012 وسيأتي 2013 ولن يتغيّر شيء على صعيد الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين. أبناء المخيمات ستبقى أحوالهم كما هي، قد تقوم مشاريع لتحسين أوضاع البنى التحتية في أماكن سكنهم، وقد تطلق الجمعيات، التي تنتشر كالفطر في المخيمات، مبادرات من نوع «حلّ النزاعات»، أكيد بالطرق السلمية، لكن تحسين أحوال الناس؟ فذلك بالتأكيد مستحيل على المدى المنظور. بالطبع في الفترة المقبلة ستنشر دراسات عن أحوال اللاجئين وستضاف إلى أرشيف الدراسات التي أعدّتها المنظمات الأهلية والدولية. ستذكر هذه الدراسات القوانين العنصرية التي وضعتها الدولة اللبنانية ضد الفلسطينيين، كما ستتحدث عن سياسات التعسف التي تتبعها ضد أبناء المخيمات، قوانين سيحتاج تعديلها إلى سنوات لإصلاح ما أفسدته. كل ذلك بالتأكيد لن يتغير بين ليلة وضحاها، فالفلسطيني لا يزال ممنوعاً من التملك أو التوريث أو العمل، كما أنه، رغم إقرار حق العمل للاجئين، لم يشمل القانون المعدّل جميع فئات اليد العاملة الفلسطينية في المخيمات. كذلك فإن المراسيم التنظيمية للقانون لم تصدر بعد. فإقرار حق العمل للفلسطينيين لم يشمل الفئات الأهم في المخيمات، أي الأطباء، المهندسين والمحامين.هؤلاء يعانون من مشكلتين: أولاً أن قانون العمل الذي عدّل لم يشملهم، لأن ذلك يتطلب تعديل قوانين النقابات التي قد ينتمون إليها، وهذا خارج صلاحية مجلس النواب كما قال النواب حينها. ثانياً أن هذه النقابات لا تزال تطبّق مبدأ المعاملة بالمثل بحق الفلسطينيين.
بالطبع الجميع يعرف أن تطبيق هذا المبدأ مع الفلسطينيين تحديداً مجحف. فهؤلاء لا يملكون دولة. هكذا، ستبقى هذه الفئة الأهم من المتعلمين الفلسطينيين من غير حقوق، وسيبقى الأطباء يمارسون عملهم في عياداتهم الخاصة داخل حدود المخيمات وبطريقة غير شرعية خارجه.
الأطباء الفلسطينيون إذا أُقرّ حقهم في العمل فإنه لن يؤثر على «رزقة» الطبيب اللبناني، إذ إن عدد الأطباء الفلسطينيين لا يتجاوز 250 طبيباً وصيدلياً. لكن ما مشكلة أن ينضم هؤلاء إلى نقابة الأطباء؟ يجيب نقيب الأطباء السابق جورج أفتيموس بأن «قوانين النقابة تفرض على الأطباء الأجانب الذين يريدون العمل على الأراضي اللبنانية أن يكونوا أولاً مسجّلين لدى وزارة الصحة، وأن تقوم كليات الطب في الجامعات التي يعملون فيها بتسجيلهم أو أن يدفع الطبيب بدلاً سنوياً يقدّر بـ50 ألف
دولار».
بالطبع لن يتمكن أطباء المخيمات من تأمين هذا المبلغ، وذلك بسبب البدل الزهيد الذي يتقاضونه من مرضاهم. المشكلة لا تكمن هنا فقط، إذ إنك تحتاج لكي تتسجّل في وزارة الصحة إلى مزاولة مهنة الطبابة، ولتزاول الطبابة عليك أن تكون في النقابة. هكذا، يجد الطبيب الفلسطيني نفسه يدور في حلقة مفرغة بين النقابة ووزارة الصحة، ما يجبره على أن يعمل بطريقة غير قانونية.
أما بالنسبة إلى المحامين الفلسطينيين الذين لا يتجاوز عددهم مئة، فهؤلاء مشكلتهم قد تكون أسهل من الأطباء الفلسطينيين، إذ إن شروط الانتساب إلى نقابة المحامين ليست بالمشكلة «العويصة» كما في نقابة الأطباء. فالانتساب إلى نقابة المحاماة، إذا عُدّلت تلك القوانين، يتطلب أن يكون المنتسب قد نال شهادته الثانوية من المدارس اللبنانية وإجازة الحقوق من جامعات لبنان. بالطبع هذا الأمر يسير لمن عاش في لبنان لمدة 63 عاماً، إلا أن عائقاً جديداً يظهر ألا وهو الجنسية.
ويقول نقيب المحامين نهاد جبر إنه «لا يمكن الفلسطيني أن ينتسب إلى النقابة في ظل قانون تنظيم المهنة الحالي، لأنه لا بد أن يكون من حملة الجنسية اللبنانية». يضيف جبر أن «النقابة لا تتعاطى مع الفلسطينيين من منطلق سياسي، بل من منطلق قانوني». وعن تعديل قانون الانتساب إلى النقابة يقول الرجل إنه «لا يوجد مشروع لتعديل قانون الانتساب إلى النقابة في الوقت الحالي، ويمكن الحديث عن هذا الموضوع في حينه وعند طرحه».
من جهتهم، يُعدّ الفلسطينيون لمرحلة ثانية من حملة المطالبة بالحقوق المدنية والاجتماعية. ففي الفترة الحالية يعقد ممثّلو الجمعيات لقاءات دورية استعداداً للخطوات التي سينفذونها. فهم سيطالبون أولاً بإصدار المرسوم التنظيمي للقوانين التي أقرّها مجلس النواب، إضافة إلى متابعة الحملة في ما يتعلق بتعديل قوانين نقابات المهن الحرة. ويقول الحقوقي الفلسطيني سهيل الناطور إنهم وضعوا تصورهم لاستقبال النقابات اللبنانية لأصحاب المهن الحرة الفلسطينية من خلال «إلغاء شرط الجنسية، وإلغاء شرط المعاملة بالمثل». أما الخيار الآخر فيقول الناطور «السماح بتأليف نقابات فلسطينية معترف بها من قبل الدولة اللبنانية، ينضم إليها الفلسطينيون».



يسمح المرسوم رقم 1658 الصادر في 17/1/1979 للأجانب بممارسة الطب في لبنان إذا كانوا ينتمون إلى دولة تطبّق مبدأ المعاملة بالمثل، رغم وجود نسبة من التمييز بين البلدان العربية والبلدان الأجنبية الأخرى. أما نقابة المهندسين، فتخضع للقانون الصادر في 22/1/1951 الذي يميّز العامل العربي عن العامل الأجنبي غير العربي. وتلزم هذه الأحكام عموماً بوجود مبدأ المعاملة بالمثل تجاه اللبنانيين في تشريعات الدولة التي ينتمي إليها المهندس المرشح للانتساب إلى هذه النقابات.