تونس | الأحداث الأخيرة التي شهدتها تونس، من اعتداءات على شخصيات ثقافية ومعارضين، والتضييقات المتزايدة على الحريات التي يرى فيها البعض «تخطيطاً ممنهجاً لضرب حرية الإعلام واستقلاليته، والانزياح بالمطالب الجوهرية التي قامت من أجلها الثورة التونسية إلى متاهات ثانوية»، شكلت دفاعاً قوياً لتقارب العديد من الأحزاب الوسطية ذات الاتجاه الإصلاحي والحداثي. وقد بادر العديد من الأحزاب والشخصيات السياسية في خطوات عملية لإعداد أرضية فكرية وسياسية لـ«تكتل تقدمي» من شأنه أن يكون جبهة معارضة قوية وذات شعبية. تُرجم ذلك، مثلاً، من خلال البيان الذي أصدره رئيس الحكومة السابق الباجي قائد السبسي، قبل أيام قليلة، ووثيقة التحالف التي وقعها 13 حزباً تحت مسمى «الحزب الوطني». ولعل المسيرة الحاشدة (أكثر من 10 آلاف مشارك)، التي انتظمت أول من أمس في تونس العاصمة، مؤشر قوي على جدية التقارب السياسي بين هذه الأحزاب المعارضة. في المقابل، تشهد بعض الأحزاب البارزة في تونس حالاً من الانشقاقات التي تنذر بتفككها، ومن أبرزها حزب «التكتل من أجل العمل والحريات»، المنتمي إلى الائتلاف الثلاثي الحاكم. وعُرف حزب التكتل، الذي يشكل مع حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، التحالف الثلاثي ذا الغالبية في المجلس التأسيسي، برؤيته التقدمية وبدفاع مناضليه عن قيم الجمهورية الثانية وبناء مجتمع المواطنة، غير أن دخوله في التحالف الثلاثي ورئاسة مؤسسه، مصطفى بن جعفر، للمجلس التأسيسي الوطني ومشاركة بعض كوادره في الحكومة الائتلافية، مهدت لبروز هوة عميقة داخل الحزب بدأت تتعمق في الأيام القليلة الماضية من خلال تتالي قوائم المستقيلين من هياكل الحزب. حتى إن البعض من المتابعين للشأن السياسي يرون إمكانية اندثار الحزب من الخريطة السياسية. ولئن ظلت وسائل الإعلام التونسية تُرجع أسباب هذه الانسحابات إلى الضغط الذي يمارسه أحد أبرز قادة الحزب، خميس قسيلة، على المناضلين والمنخرطين في الحزب، مستندين في ذلك إلى تصريحات المتحدث الرسمي باسم الحزب أحمد بنور، فإن التصدعات التي ضربت بقوة هذا الحزب تعود إلى أسباب أكثر عمقاً من حرب إعلامية ثنائية بين رجلين، وهي أسباب أجملها المستقيلون في بيان، والمتمثلة أساساً في فشل قيادة الحزب في إدارة المرحلة وانعدام الديموقراطية، واستعمال القيادة لأسلوب فوقي في التعامل مع المناضلين، وإقصاء كوادر الحزب. المستقيلون من الحزب اعتبروا أن «الصمت الغريب» لزعيم الحزب، بعد تصريح نائب حركة النهضة الصادق شورو في المجلس التأسيسي ودعوته الصريحة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية لإنهاء الاعتصامات والاحتجاجات، هي القطرة التي أفاضت الكأس. ورغم أن حركة النهضة ذاتها نأت بنفسها عن هذا التصريح، فإن بن جعفر لزم الصمت أمام هذا التصريح، ما دفع ببعض مناضلي حزب التكتل إلى رفع شعار «شورو يدعو إلى القتل وبن جعفر يقول شكراً»، في المسيرة التي انتظمت نهاية الأسبوع المنقضي، والتي لم يشارك فيها حزب التكتل بصفة رسمية. ولعل تصريح كاتب عام أحد فروع التكتل، الطيب العقيلي، بعد استقالته منذ يومين فقط، وقوله «الاستقالات ستتوالى وستطوى صفحة التكتل نهائياً كحزب وطني كبير»، فيه الكثير من النظر للمستقبل القريب لهذا الحزب. التصدعات التي يواجهها حزب «التكتل من أجل الجمهورية» اليوم، لا تقتصر عليه فقط، بل هي طالت حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي أسسه رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي، فهذا الحزب أيضاً تشقه صراعات بين شق أمينه العام المؤقت حالياً عبد الرؤوف العيادي والشق المحسوب على الطاهر هميلة. ويرى العديد من الملاحظين في تونس أن حزبي التكتل والمؤتمر أصبحا جزءاً من حركة النهضة، تتحكم فيهما وفق توجهاتها ورؤيتها لطبيعة الحكم في تونس، غير أن هناك الكثير من المؤشرات أيضاً على بوادر تصدع داخل الحركة ذاتها بين الشق المتشدد والشق المعتدل وهو ما ستكشفه الأشهر المقبلة في مؤتمر الحركة.