وسط أجواء وطموحات الربيع العربي الذي تفجّر في عام 2011، تشهد الكويت الخميس المقبل انتخابات برلمانية مفصلية، من شأنها أن تحدِّد شكل المشهد السياسي المستقبلي، وذلك في خضم صراعات ونزاعات مستمرة تحت عناوين عديدة، أبرزها الفساد والحريات
القوى السياسية وسقف المطالب

يومان يفصلان الكويت عن أحد أهم الأحداث في تاريخ حياتها البرلمانية، بحيث تجرى الانتخابات التشريعية للفصل الرابع عشر بعد أحداث غير مسبوقة عاشتها الإمارة في الأشهر الأخيرة، تمثلت في التظاهرات والاعتصامات، التي جرى خلالها اقتحام مجلس الأمة في تشرين الثاني، قبل أن ينتهي الأمر باستقالة حكومة ناصر المحمد الصباح السابعة، وتعيين حكومة جديدة برئاسة جابر المبارك الصباح، وحلّ البرلمان.
ووسط اتهامات بشراء الأصوات وضخ المال الانتخابي، تسعى المعارضة، التي استطاعت إجبار ناصر المحمد على الاستقالة، بعد اتهامه بدفع رشى لخمسة عشر نائباً بلغت نحو 350 مليون دولار في ما عُرف بقضية «النواب القبيضة»، إلى إثبات قوتها الشعبية، في وقت تنقسم فيه التوقعات بشأن ما ستكون عليه نتيجة هذه الانتخابات.
إذ تتوقع بعض الأوساط السياسية أن تفرز الانتخابات وجوهاً جديدة، وخصوصاً مع إعلان 12 نائباً سابقاً عدم الترشح وسحب ترشيحاتهم، وهو ما ترغب فيه السلطة، فيما يرى آخرون أن نسبة التغيير في نواب المجلس الخمسين ستكون ضئيلة. ويبدو أن رغبة السلطة في أن يكون البرلمان الجديد أقلّ حدة تجاهها، ترتبط بسياسات السلطة ذاتها، التي قد تدفع إلى استشراس المعارضة أو إلى هدوئها. وهذا ما أمكن ملاحظته منذ أيام، بحيث جنّب تراجع وزارة الداخلية عن شطب ترشيح النائب السابق فيصل المسلم (بعد حصوله على حكم مستعجل) السلطة انتقادات كانت ستشعل الجو الانتخابي وتصبّ لمصلحة المعارضة.
ويتنافس المرشحون، الذين بلغ عددهم 286، بينهم 23 امرأة، على 50 مقعداً موزعة على خمس دوائر انتخابية، ويُنتخبون بطريق الانتخاب العام السري المباشر لولاية مدتها أربع سنوات. ويعتبر الوزراء أعضاء في المجلس بحكم وظائفهم. ويحق لكل مواطن من كلا الجنسين، أتم الـ 21 عاماً أن يقترع، بحيث يختار 4 مرشحين فقط، بينما لا يحق للعسكريين أن ينتخبوا باستثناء أفراد الحرس الوطني. ويبلغ عدد الناخبين نحو 400 ألف.
المطالب والحملات
وتتمثل بعض المطالب في هذه الانتخابات بتنفيذ إصلاحات جذرية تشمل وضع دستور جديد ومحاربة الفساد ودفع عجلة التنمية. لكن أجواء الربيع العربي دفعت إلى رفع سقف المطالب، بحيث يدعو البعض إلى نظام متعدد الأحزاب، وإلى ضرورة أن تختار الغالبية البرلمانية رئيس الحكومة، مع زيادة عدد أعضاء مجلس الأمة، بينما يطالب آخرون بإرساء ملكية دستورية والحدّ من نفوذ أسرة آل الصباح.
وتتركز الحملات الانتخابية داخل المراكز الخاصة بالمرشحين، في الديوانيات والخيم المشيدة لهذا الغرض. كما تُنتشر في الصحف إعلانات المرشحين الانتخابية. وقد منعت السلطات وضع أي كتابات أو ملصقات أو صور على المركبات أو الإشارات المرورية وغيرها من اللوحات الإعلانية حتى لا يعوق ذلك حركة المرور.
ورغم الجو الهادئ نسبياً، فإن الأمر لا يخلو من حروب تدور إلكترونياً بين بعض المرشحين على مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك»، حيث وصل بها الحدّ إلى الفجور في الخصومة والسباب العلني وإطلاق الشائعات وتوزيع منشورات مسيئة ونشر مقاطع فيديو مجتزأة عبر برنامج الرسائل المجانية «واتس أب» بهدف الإساءة ومحاولة تقليب الرأي العام. كما يشكو بعض المرشحين من انتشار المال الانتخابي، فيما تحظى القبلية والعائلية بدور كبير في الانتخابات، نسبة إلى طبيعة المجتمع الكويتي.
القوى الأساسية
تهيمن الحكومة والبرلمان على المشهد السياسي في الكويت، مع عدم وجود أحزاب، واقتصار الحراك على قوى وتجمعات سياسية، علماً بأن هناك مطالبات بالسماح بإنشاء أحزاب لتعزيز التجربة الديموقراطية الأهم في الخليج، إذ إن الكويت هي أول دولة خليجية تقرّ دستوراً في عام 1962، حيث وافقت حينها أسرة آل الصباح على نظام تتقاسم فيه السلطة مع مجلس الأمة.
أما القوى الأساسية التي تتنافس في هذه الانتخابات، فهي: التحالف الوطني الإسلامي، ويمثّل التيار الشيعي في البلاد، ويعتبر ثقله في الدائرة الأولى خاصة، إضافة إلى الثانية والثالثة. أما مرشّحو التحالف، فهم عدنان عبد الصمد وأحمد لاري وصالح عاشور والسيد حسين القلاف ومعصومة المبارك ورولا دشتي.
والنواب الشيعة السابقون (تسعة)، مقربون في الإجمال من الحكم، لكن لاحظ بعض المراقبين أن تغييراً قد طرأ على مواقفهم بسبب رفضهم للسياسات التي كان ينتهجها ناصر المحمد.
وهناك التحالف الوطني الديموقراطي، ويتركز في الدائرتين الثانية والثالثة، وأعضاؤه هم: صالح الملا وأسيل العوضي ومحمد بوشهري (شيعي ليبرالي). ويتبنّى هذا التحالف أطروحة ليبرالية، إضافة الى الليبراليين، ويتخذون من الدائرة الثانية مقراً لهم، ويمثلهم محمد الصقر ومشاري العصيمي. والصراع الإسلامي ـــــ الليبرالي المنتشر في الكويت، في الجامعات وجمعيات النفع العام.
وهناك قوى أخرى تتمثل بالإسلاميين المستقلين، ومنهم النواب السابقون فيصل المسلم، وليد الطبطبائي، محمد هايف المطيري، أبرز وجوه المعارضة التي حشدت للتظاهرات. والحركة الدستورية الإسلامية (الإخوان)، وهي تيار إسلامي وسطي، تهدف إلى تطبيق مبادئ الشريعة، ولها 4 مرشحين هم، أسامة الشاهين وجمعان الحربش وحمد المطر ومحمد الدلال.
والتجمع السلفي، الذي رشّح هذا التجمع 4 أسماء: هم محمد الكندري وخالد السلطان وعبد اللطيف العميري وعلي العمير. وكتلة العمل الشعبي، التي خاضت معارك شرسة في المجلس المنحل واعتبرها مقربون من السلطة «كتلة تأزيم». وتضم النواب السابقين أحمد السعدون، الذي يملك الحظ الأكبر في الفوز برئاسة المجلس، ومسلّم البراك وخالد الطاحوس.
ولا تزال التحالفات الانتخابية غير مكتملة الصورة، وخاصة بين الإسلاميين، فيما يخوض مرشحون قبليون الانتخابات متحالفين. ومن المتوقع أن تتوضح التحالفات خلال الساعات المقبلة، حيث قد تساهم في حسم المعركة.

«تشاوريات» للالتفاف على «الفرعيات»

كما في كل انتخابات، يعود الجدل اليوم حول ما يعرف بـ«الفرعيات»، وهي انتخابات تجرى داخل القبائل والعائلات الكبيرة لاختيار مرشحيها إلى مجلس الأمة
على الرغم من أن المحكمة الدستورية في الكويت قد أكّدت الشهر الماضي، تجريم انتخابات «الفرعيات» المثيرة للجدل، كونها تعزز الولاء للقبيلة والعائلة على حساب الولاء للوطن، فإن هذه الظاهرة لم تتوقف بتاتاً، حيث لجأت القبائل الى أساليبها الملتوية الخاصة من أجل إجراء انتخاباتها الفرعية واختيار مرشحيها.
ومع أن عدداً من النواب السابقين والمرشحين الحاليين المنتمين إلى قبائل، قد أعلنوا التزامهم بحكم المحكمة وعدم المشاركة في الفرعيات، فقد جرت الأخيرة تحت مسمى «التشاوريات»، قبيل إقفال وزارة الداخلية باب الترشيح للانتخابات التشريعية، حيث امتد بعضها لساعات طويلة، رغم الأوامر الصارمة التي كانت قد صدرت للقوى الأمنية بالتصدي لها.
وعملت القبائل على إجراء انتخاباتها الداخلية، التي شارك فيها الآلاف، على عدة مراحل، من خلال طرق وأساليب يصعب على السلطات اكتشافها، بينها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت كـ«تويتر» و«فيسبوك» و«واتس أب»، والتي تعدّ رائجة جداً في الكويت، وخاصة على صعيد التواصل بين المواطنين والنواب.
وجرت بعض عمليات التصويت علناً وبعلم السلطات، لكنها غضت النظر عنها، مع أنها أكّدت، كما تفعل في كل انتخابات، استنفار أجهزتها الأمنية لمحاربة هذه الظاهرة ومداهمة مقار «الاقتراع» وضبط القائمين عليها لتحويلهم إلى القضاء. وتلجأ بعض وسائل الإعلام إلى كشف هذه الفرعيات، عبر مراقبتها وتصوير أماكن إجرائها، ونشر التفاصيل التي يسربها أبناء القبائل.
وتعدّ قبيلة العوازم أكبر القبائل من حيث العدد، تليها قبيلة مطير، ثم الرشايدة والعجمان. ويعتبر العوازم ومطير الأكثر حظوظاً في الوصول إلى مجلس الأمة. وتتألف كل قبيلة من عدة عائلات. وتتركز تكتلات القبائل في دائرتين هما الرابعة والخامسة، من أصل الدوائر الانتخابية الخمس التي تنقسم إليها البلاد. وفي هاتين الدائرتين نُظّمت الانتخابات الفرعية. وقد أتت نتائج هذه الفرعيات بالمرشحين المعارضين.
ويرى المؤيدون لهذه الفرعيات أنها حق من حقوق أبناء القبائل، إذ تساعدهم على الاختيار وحسن التمثيل، بينما يعتبر من يعارضها أنها تشجع الولاء للقبيلة والعائلة على حساب الولاء للوطن، وتمزق الوحدة الوطنية وتشوه صورة الانتخابات، فضلاً عن أنها تمنع من وصول مواطن كفوء ينتمي إلى قبيلة صغيرة أو ينتمي إلى «فخذ» صغير في قبيلته، إلى مجلس النواب. وطالما أدت الانتخابات الفرعية داخل القبائل في الكويت إلى إيصال نواب إلى البرلمان، لم يكونوا يمتلكون أي حظ بالفوز من دونها.

الرقابة الدولية بين الانتقاد والترحيب

ما إن أعلنت «جمعية الشفافية في الكويت»، في وقت سابق من الشهر الجاري، أن حوالى 30 مراقباً أجنبياً سيسمح لهم، للمرة الأولى، بمراقبة الانتخابات البرلمانية، حتى هبّت جهات سياسية وإعلامية عدّة بين مرحّب ومنتقد، وسط الجدل الذي يحيط بالجمعية نظراً إلى اللغط الذي يحيط أنشطتها وانتماءات بعض أعضاء مجلس إدارتها التجارية أو الحزبية أو العقائدية من جهة، وعدم امتلاكها صلاحيات من جهة أخرى.
وقال رئيس الجمعية، صلاح الغزالي، إن غالبية المراقبين هم من جنسيات عربية ينشطون ضمن الشبكة العربية لمراقبة ديموقراطية الانتخابات. وأضاف إن هؤلاء «سيساعدون نحو 300 متطوع كويتي سُمح لهم بمراقبة الانتخابات». وأكد أن «المراقبين الأجانب والمحليين سيحظون بحرية الوصول إلى مكاتب الاقتراع لرفع التقارير حول الخروقات».
وكانت الحكومة قد طلبت من جمعية الشفافية ومنظمتين غير حكوميتين هما، جمعيتا المحامين والصحافيين مراقبة الانتخابات. وأشار الغزالي الى أن المتطوعين الكويتيين تلقوا تدريبات ليومين حول مراقبة الانتخابات، وسيوزعون على الدوائر الخمس، على أن يكون عملهم في غير دوائرهم لضمان النزاهة. ورحّب البعض بتكليف الجمعيات بمراقبة الانتخابات، على اعتبارها تساعد على نزاهة الانتخابات وتساهم في إعطاء دور للمجتمع المدني، بينما انتقدها آخرون لكون صلاحيات المراقبين غير واضحة، إضافة إلى ما يثار حول عدم استقلالية جمعية الشفافية.
وإزاء الجدل الدائر حول صلاحيات المراقبين، انتقد المرشح صالح عاشور آلية تفويض الحكومة لجمعيات الشفافية والمحامين والصحافيين بالمشاركة في مراقبة الانتخابات من دون التنسيق مع السلطة القضائية، متسائلاً «كيف يمكن أن تقوم جمعية نفع عام بالإشراف على مهمات السلطة القضائية؟».
في المقابل، أشاد المرشح خالد السلطان، بإشراك الجمعيات الثلاث، معتبراً أن «هذا الأمر كان يجب اتخاذه قبل عدة أشهر لإعداد كادر هذه الجمعيات لممارسة المراقبة وامتلاك القدرات اللازمة لاستيعاب طرق وآليات تطبيق مهماتهم على الأرض».
بدورها، أكدت وزارة الداخلية أنها ستتعامل مع بلاغات المراقبين مثلها مثل بلاغات المواطنين العادية، علماً بأن البلاغات تتعلق بمرحلة ما قبل الانتخابات وخلالها. وقد تمّ تخصيص خمسة مخافر شرطة كمقار عمل للمفوضية العليا للشفافية، التي تضمّ مندوبين عن وزارتي الداخلية والإعلام وعن جمعية الشفافية، إضافة إلى المراقبين الدوليين والشبكة العربية لمراقبة الانتخابات.