رام الله | «النضال الإلكتروني الفلسطيني»، نوع إضافي من أنواع النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، يصر الفلسطينيون على التأكيد أنهم عملوا على شرعنته للصالح العام، ومن بينهم شابة فلسطينية، انخرطت في ضرب المواقع الإسرائيلية إلكترونياً منذ 2002، متخذةً لنفسها لقب «العنيدة».تؤكد «العنيدة»، في حديث لـ«الأخبار»، أنها «ليست من القراصنة السيئين»، بحسب معنى المصطلح. وتضيف «لا يمكن أن أنسى ربيع عام 2002 إبان عملية الاحتلال في كافة المدن الفلسطينية، التي أطلقت عليها إسرائيل آنذاك عملية «السور الواقي»، ذلك أنها كانت الانطلاقة بالنسبة إلي، وقد تغيرت الكثير من المفاهيم لدي».
تستذكر «العنيدة» كيف عمدت قوات الاحتلال الإسرائيلي مع بداية عملية السور الواقي، إلى ضرب مدينة نابلس بالصواريخ، وتعمدت قطع الاتصالات بكافة أشكالها، وتحديداً الإنترنت، والغاية الأهم كانت إيقاف الصوت الفلسطيني من الوصول إلى العالم، وهو ما حلمت به إسرائيل. وتضيف «بدأت بمجموعة اتصالات مع الأصدقاء ومن نعرفهم من خبراء الحواسيب والبرمجة، واتفقنا على وجوب إبقاء الصوت الفلسطيني في العالم وسط هذه الظروف، فاتفقنا على شن هجوم على سيرفرات (خوادم) الإنترنت الإسرائيلي ليس لوقفها، بل للحصول على مداخل مختلفة تمكّن النشطاء الفلسطينيين من استخدام الإنترنت الإسرائيلي لمواصلة تغطية جرائم الاحتلال ضدنا، وإيصال أخبارنا إلى العالم بأسره».
«كانت العملية معقدة، لكنها نجحت»، تواصل «العنيدة» حديثها لـ«الأخبار»، وكانت بالنسبة إلينا، «قرصنة للصالح العام، ونعدّ ما قمنا به نضالاً لمصلحة قضية، وهدف، ولسنا غير ذلك، وكنا سعداء جداً بنجاحنا بخدمة بالبلد، ولو عن طريق ما يسمونه القرصنة».
أما في العام المنصرم 2011، فجرت عملية اختراق كبيرة من الفلسطينيين والعرب على حد سواء لمواقع «سيادية» إسرائيلية، كما تعدّها الدولة العبرية، إذ جرى اختراق عدد من المواقع الإلكترونية التابعة لعدد من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على شبكة الإنترنت. وأوردت الإذاعة «أن من بين هذه المواقع تلك الخاصة بالجيش الإسرائيلي، والموقعين الإلكترونيين التابعين لجهاز الأمن الداخلي «الشين بيت» وجهاز الاستخبارات الخارجي «الموساد»»، وكانت رداً على اعتراض الجيش الإسرائيلي اثنتين من السفن التي تحمل مساعدات إنسانية إلى غزة، كما نجح شبان فلسطينيون باختراق موقع حزب «كديما» الإسرائيلي على الإنترنت، فضلاً عن اختراق بعض المواقع الإسرائيلية، أو مواقع لأعضاء كنيست، من قبل شبان من الجزائر.
كذلك نجحت مجموعة تطلق على نفسها Gaza Hackers «هاكرز غزة» باختراق الموقع الإلكتروني لجهاز إخماد الحرائق الإسرائيلي، واستبدل أفرادها صفحته الرئيسية بصورة لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون، ومحوها بدمغات أرجل. وكان أيالون قد وصف قرصنة الهاكر السعودي «oxomar»، الذي نجح بكشف تفاصيل عشرات الآلاف من بطاقات الائتمان الإسرائيلية، بأنه عمل «إرهابي»، وهدد بالرد عليه، ولمّح إلى تصفيته جسدياً.
وإضافةً إلى مهاجمة المواقع العسكرية والتابعة لسياسيين إسرائيليين، سقطت عدة مواقع الكترونية أخرى على يد الفلسطينيين، تابعة لعدد من المستشفيات الإسرائيلية، كان أبرزها موقع المركز الطبي «شيبا»، الذي انهار تماماً تحت ضغط القراصنة، ما أدى الى إغلاقه، وهي ذات الطريقة التي استهدفت بها موقع البورصة الإسرائيلية وشركة الطيران المدني «العال».
في المقابل، لم تسلم مواقع رسمية فلسطينية من هجمات للقراصنة الإلكترونيين المجهولي الهوية. وأكد وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطيني، مشهور أبو دقة، لـ«الأخبار» أنه بعد هجمات القرصنة الدولية التي تعرضت لها فلسطين إثر اعتراف اليونسكو «بفلسطين» طلب مجلس الوزراء تأليف مجموعة مختصة بأمن المعلومات من الخبراء الفلسطينيين، التي سترفع توصياتها خلال الأسبوع القادم، ليصار إلى اعتمادها رسمياً لتصبح بمثابة قانون خاص لـ«أمن المعلومات».
من جهة ثانية، نفى أبو دقة وجود أيّ جهة أمنية تتبع للسلطة الفلسطينية مختصة بأمن المعلومات، أو تلاحق من يسمون «القراصنة»، مشيراً إلى عدم وجود مجموعات منظمة في فلسطين من «الهاكرز»، حتى وإن جرت هذه القرصنة ضد مواقع إسرائيلية.
الشارع الفلسطيني هو الآخر له رأيه في عملية القرصنة، وأثرها في إسرائيل من كافة الجوانب، وبحسب ما حدثتنا كارول من بيت لحم، «فإن الأكيد أن القرصنة شيء مزعج لأيّ دولة، وأيّ عمل يقلق راحة إسرائيل أنا معه». وتضيف «أعتقد بفهمي المبسط لحروب المعلومات أن اختراقاً كهذا قد ينجح في خلق بلبلة وحالة فوضى، أو تسريب لمعلومات أو شطبها، قد تكون مهمة في إدارة شؤون الدول، لكن القضية ليست فقط أمنية سياسية، لكنها أمن اقتصادي، وهي الحرب الأساسية، لأن الاقتصاد هو أصل المشكلة».
أما رائد عواد، فأكد دعمه لـ«نضال»، ولا سيما لو كانت المواقع التي تتعرض للهجوم حساسة اقتصادياً أو أمنياً، لأن الأكيد أن أثرها كبير في إسرائيل، فيما رأى سمير أبو الرب من جنين أن «إسرائيل دولة متفوقة في هذا الجانب تكنولوجياً، وفي كل المجالات على العالم العربي، لكن لا يوجد للشعب الفلسطيني ما يخسره من هجمات كهذه». ويعتقد ناصر من رام الله بأن القرصنة الفلسطينية «تجربة حديثة، بدأت بشق طريقها أخيراً»، لكنه يقلل من أهمية نتائجها، بالقول «باعتقادي الشخصي فإن هذه القرصنة لن تؤثر».



إسرائيل «عاجزة ومحرجة»

كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية حال الوضع الإلكتروني في إسرائيل. ووصفت إسرائيل بأنها تقف «عاجزة ومحرجة» في ظل عدم قدرتها على وقف هجمات القراصنة المتوالية على المواقع الإسرائيلية وخصوصيات الإسرائيليين. أما الحكومة الإسرائيلية، فلم تملك سوى التهديد والوعيد، إذ قالت «إن يدها ستطاول كل من يهاجمون إسرائيل أينما كانوا»، مشيرةً إلى أنها تعدّ عمليات القرصنة هذه بمثابة هجمات «إرهابية».
ويبدو أن هذه الحرب ستبقى مفتوحة، بل من الواضح أنها تسير باتجاه الاحتدام أكثر فأكثر، وخصوصاً بعدما نشّطها القرصان السعودي، الذي نجح بكشف تفاصيل عشرات الآلاف من بطاقات الائتمان الإسرائيلية ونشرها على الملأ، مهدداً إسرائيل بالمزيد، ما جعل الفلسطينيين يجددون هجماتهم في ظل ضعف القدرة الإسرائيلية على السيطرة على شبكاتها الإلكترونية من الناحية الأمنية، واعتبار الأمر نوعاً من أنواع النضال المتاحة للفلسطينيين.