القاهرة | لا يفصل بين حي العجوزة وميدان التحرير إلّا مسيرة عشرين دقيقة في ذروة زحام القاهرة، لكنها تفصل بين عالمين. ففي حي العجوزة، بدأ المجلس الاستشاري أمس النظر في مقترحات وصياغتها للتبكير في نقل السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ليعرضها لاحقاً على المجلس نفسه ليوافق أو ليرفض. أما ميدان التحرير، فيشهد اليوم، في «ثلاثاء الإصرار»، تظاهرة تمضي عبره من مقر ماسبيرو ـــ مبنى التلفزيون الحكومي ـــ إلى مقر مجلس الشعب، حيث تلتقي هناك مع مسيرة نسائية تشق طريقها من ضريح سعد زغلول. وسيصرّ المحتشدون اليوم على نزع السلطة من المجلس العسكري، ورفض منحه ما يسمّى «الخروج الآمن»، وعلى تأليف لجنة من أعضاء مجلس الشعب لها صفة الضبطية القضائية للتحقيق في أحداث قتل المتظاهرين وتقديم المسؤولين عنها للمحاكمة، ورفض صياغة الدستور الجديد في ظل حكم العسكر، فضلاً عن المطالبة بعودة الجيش إلى ثكنه.
تظاهرة «ثلاثاء الإصرار» ترى تحقيق كل هذه المطالب ممكناً عبر الدعوة إلى انتخابات رئاسية في 11 شباط المقبل، الذي يوافق الذكرى الأولى لتنحّي الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، تحت إشراف لجنة من أعضاء مجلس الشعب، على أن تجرى الانتخابات في مدة لا تتجاوز 60 يوماً من هذا التاريخ، بإشراف من القضاء.
أحمد عزت، عضو حركة الاشتراكيين الثوريين، وهي واحدة مما يقرب من أربعين جهة سياسية أعلنت مشاركتها في التظاهرة، يؤكد أن المشاركين يعتزمون في سبيل تحقيق مطالبهم «التظاهر أمام مقر مجلس الشعب عصر اليوم، وتسليم لجنة من أعضاء مجلس الشعب مطالبنا».
ويرفض أحمد، في حديث مع «الأخبار» على هامش الإعداد للتظاهرة، أي «مساومة» على توقيت فتح باب الانتخابات الرئاسية، قائلاً إن أي تأخير «سيمكّن أعضاء المجلس العسكري من الفرار من المحاسبة على جرائمهم التي اقترفوها خلال الفترة الانتقالية»، في إشارة إلى أحداث قتل المتظاهرين المتتالية التي سجلت منذ تسلّم المجلس العسكري الحكم.
أما في ما يتعلق بتجاوب مجلس الشعب مع مطالب المحتجين، فإن السائد هو توقعات متشائمة في ظل هيمنة حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وخصوصاً بعدما صدرت تصريحات سابقة من قيادات الجماعة، بينها للمرشد العام محمد بديع الذي قال إنه يرفض «أن نجعل المجلس العسكري أعداءً لنا ونقوم عليه بثورة كما قمنا على النظام الفاسد المستبد».
الأجواء مختلفة تماماً على صعيد المجلس الاستشاري الذي اجتمع في وقت متأخر من مساء أمس ليناقش صياغة مقترحات بالتعجيل في عملية نقل السلطة بنحو شهر، بعد استئذان المجلس العسكري نفسه، عبر تقصير الفترة المتاحة لانتخاب أعضاء مجلسي الشعب والشورى للجمعية التأسيسية والفترة المتاحة أمام تلك الجمعية لصياغة مشروع الدستور الجديد والتبكير بفتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة بواقع شهر، لتنتهي تلك الفترة الانتقالية بحسب بعض المقترحات في أيار بدلاً من تموز، وهو الموعد الذي كان قد حدده رئيس المجلس العسكري محمد حسين طنطاوي تحت ضغط اعتصام «شارع محمد محمود» في تشرين الثاني الماضي.
واليوم، وتحت ضغط احتجاجات شعبية لا حصر لها بدأت في ذكرى الثورة الأربعاء الماضي، يتراجع المجلس العسكري ومجلسه الاستشاري خطوة جديدة لكنها أبداً ليست الأخيرة على ما يبدو. فقد أكد عضو المجلس العسكري ممدوح شاهين، بالتزامن مع جلسات المجلس الاستشاري، أن المجلس العسكري أصدر مرسوماً بقانون حول الإجراءات التنظيمية لانتخابات رئاسة الجمهورية في التاسع عشر من كانون الثاني، أي قبل انعقاد مجلس الشعب الجديد الذي نقلت إليه السلطات التشريعية مع افتتاح أعماله في 23 من الشهر نفسه.
ويتيح القانون لأي حزب حصل على مقعد واحد في مجلس الشعب أو الشورى أن يتقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية أو بأن يحصل من يرغب في الترشّح على تأييد 30 عضواً منتخباً في المجلسين أو على دعم 30 ألف مواطن في 15 محافظة مختلفة.
وينص القانون على إنشاء لجنة للإشراف على الانتخابات الرئاسية برئاسة رئيس المحكمة الدستورية العليا وعضوية أربعة قضاة، هم رئيس محكمة الاستئناف، وأقدم قضاة المحكمة الدستورية العليا، وأقدم نواب مجلس الدولة، وأقدم نواب محكمة النقض. كذلك يقضي القانون بإجراء عمليات الاقتراع في يوم واحد، «وإذا اقتضت الضرورة على يومين»، تحت إشراف قضائي.