الجزائر | لم يسبق للجزائر أن شهدت حملة ترويج لمقاطعة الانتخابات كالتي تشهدها هذه الأيام في مناسبة الإعداد للانتخابات التشريعية والمحلية في أيار المقبل. ففي كل المدن والبلدات، وحتى القرى الصغيرة أطلقت مجموعات شبابية في معظمها، رافضة المشاركة في الانتخابات، انتقادات حادة في مواجهة القوى السياسية المقبلة على المشاركة، متهمةً من يؤيدون العملية الانتخابية بنصرة الفساد والفاسدين. ويلجأ دعاة المقاطعة إلى الوسائل المباشرة في الترويج لدعوتهم من خلال لقاءات في المقاهي والساحات العمومية يتحدثون فيها عن الظلم وعن فشل الحكومة والبرلمان وباقي الهيئات التي تفرزها «انتخابات صورية تجري كل خمس سنوات تعيد في كل مرة إنتاج الفاشلين السابقين». ويتبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي رسائل تدعو الجزائريين إلى تعزيز صف الرافضين لمواصلة مهزلة «ديموقراطية الواجهة التي أبقت قوى الريع والجشع التقليدية مسيطرة ولقحت كل مفاصل الدولة بمصل الفساد»، على حد تعبير معارض راديكالي يرى الانتخابات مجرد «وليمة تنظم لتبرير اغتصاب خيرات البلد من أقلية ضالة». ومن بين الأساليب التي يستخدمها الداعون إلى المقاطعة، الكتابة على الجدران وتبادل الرسائل النصية عبر الهواتف النقالة، وهي السبيل ذاتها التي سلكتها وزارة الداخلية لتعبئة الناس وحثهم على المشاركة بشعار «المشاركة في الانتخاب مواطنة ومسؤولية».
والكتابات عموماً تجمع بين الجد والهزل؛ ففي كثير من الأحيان تجد الرسائل، سواء على الجدران أو الإنترنت أو الهواتف، تهكمية تصور وضعاً يراه أصحابها بمنظار الكاريكاتير. ولم يقتصر النقد والسخرية اللاذعة هذه المرة على أحزاب السلطة، بل امتد إلى من يصفون أنفسهم بالمعارضة. فقد نال الإسلاميون قسطاً كبيراً من التهكم، وحتى الشتم، لأن زعماءهم لا يقلون حماسة عن الوزير الأول ووزير الداخلية في الدعوة للمشاركة. فهم يعتقدون أن ما يسمى «الربيع العربي» سيحملهم، بالتأكيد، إلى الحكم.
بدورها، لم تنج زعيمة حزب العمال التروتسكي، لويزة حنون، من النقد اللاذع، لكونها تدعو إلى ضبط آليات لرفع مستوى المشاركة وهاجمت دعاة المقاطعة ووصفتهم بأنهم معارضون للممارسة الديموقراطية.
وتتكون كتلة المقاطعين للانتخابات من قوى واسعة، بينها من اندمجوا في العمل السياسي المعارض، ويرون أن الانتخابات لا تعطي النتائج المرجوة في ظل المناخ السياسي القائم. بناءً عليه، المشاركة فيها مجرد تزكية لمجموعة حاكمة مسيطرة لا تقوى الصناديق على إزاحتها لأنها توظف جهاز الأمن والإدارة والإعلام والمال العام لخدمة بقائها في كل هياكل الدولة. ويوجد، من بين المقاطعين، المتذمرون اجتماعياً وهم عموماً العاطلون من العمل، وشريحة الفقراء الواسعة التي لا ترى أي آفاق في أي عمل سياسي؛ لأن وضعها المزري يحجب عنها أية رؤية غير تأمين العيش، وهؤلاء عموماً يطلقون الكلام الساخر مثل تسمية مجلس الأمة «مجلس الغمة»، وهو الغرفة الثانية في البرلمان، ورئيسها، بحسب تدرج مؤسسات الدولة، هو الرجل الثاني في الدولة بعد رئيس الجمهورية. وللتعبير عن آرائهم، يلتقي مناهضو الانتخابات في المقاهي والساحات العمومية والشوارع في نقاشات مباشرة مبكرة؛ ففي الجزائر لا وجود للرأي الآخر، والحملات الانتخابية باتجاه واحد فقط هو القبول بالمشاركة والترويج لها، ويمنع المقاطعون من تنظيم مهرجانات لشرح موقفهم.
لكن ربما تغير الأمر هذا العام؛ فقد تشهد الجزائر مهرجانات «خارج القانون» يقودها أشخاص يرون أن المقاطعة هي طريق بناء ديموقراطية حقيقية على أنقاض ديموقراطية الواجهة السائدة منذ أكثر من عشرين عاماً. ويذكر أن نسبة مقاطعة في الانتخابات ارتفعت باستمرار؛ فقد كانت بحدود 40 بالمئة عام 1991 لتصل إلى 54 بالمئة عام 2002 ثم 65 بالمئة عام 2007، حتى بات يقال إن أكبر أحزاب الجزائر هو «حزب المقاطعين».