■ إذا عدنا إلى ما قبل ثورة «14 كانون الثاني» فما هو تقييمكم لدوركم كقوميين في الإسراع بمخاض الثورة التونسية؟ - كان للقوميين دور فعال وإيجابي منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة يوم 17 كانون الأول2010 في مدينة سيدي بوزيد إلى غاية يوم 14 كانون الثاني2011 مع سقوط نظام بن علي وفراره؛ إذ سيذكر التاريخ أن أوّل خطاب أُلقيَ في الثورة كان لاثنين من رفاقنا هما المحامي خالد عواينية والنقابي الناصر الظاهري أمام مقرّ محافظة سيدي بوزيد. وهذا الأخير هو من أطلق شعار «التشغيل استحقاق يا عصابة السراق».

كذلك قمنا بتأسيس اللجنة الوطنية لمساندة أهالي محافظة سيدي بوزيد يوم 24 كانون الأول2010، والتي ضمت إلى جانبنا بعض الفصائل اليسارية والتقدّمية حتى تاريخ 28 كانون الأول2010، حيث انتقلت المسيرات إلى تونس العاصمة في أول تحرك في شارع باب بنات، والذي اتسم كذلك بتغيير في مضمون الثورة من الاجتماعي إلى السياسي، حيث رفعنا شعارات ومطالب سياسية بحتة. وقد طالبت تلك المسيرة أمام المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة بإسقاط النظام ورحيل بن علي. وكان لي الشرف بأنني أول من رفع شعار «بن علي: أسألك الرحيل».

■ بعد سقوط النظام وفرار بن علي، شرعتم في تأسيس حزب مهيكل يضم كل من يحمل الفكر القومي في تونس، كيف تقيّمون هذه الخطوة؟
- بعد 14 كانون الثاني، كان أمامنا استحقاق ومسؤولية كبرى في تحويل التيار القومي في تونس من تيار فكري سرّي ومُشتت بين الجامعات والقطاعات المهنية والنقابات إلى حزب سياسي مُهيكل ذي مرجعية فكرية قومية وصاحب برنامج ومشروع سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، بعدما عانينا طيلة أكثر من نصف قرن شتى أنواع القمع والملاحقة والتضييق. وهذه العملية (أي التحول إلى حزب مهيكل) هي مهمة شاقة وصعبة بل ومصيرية تطلبت منا جهداً كبيراً واستنفدت قوانا في استحقاق داخلي مع تمسك بعض الأخوة برؤية عدم جدوى العمل السياسي الحزبي في ظل الدولة القطرية، إلى جانب حالة الفوضى التي كانت سائدة آنذاك على المستوى الأمني والسياسي والإعلامي.

■ بعد الفوز الانتخابي الذي حققته حركة حزب «النهضة» الإسلامية، والتراجع الكبير لعدّة أحزاب تقدّمية وسطية كيف تقرأون هذه النتائج؟
ـ النتائج كانت منتظرة بحكم توفر عدّة ظروف ووقائع ساعدت حركة «النهضة» على تحقيق أعلى نسبة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وهي نتائج تعود أساساً إلى تاريخية هذا الحزب المتواجد منذ ثمانينيات القرن الماضي، كما استغل حالة التعاطف الشعبي، هذا إضافة الى ترويج الحركة لخطاب ذي نزعة دينية، إضافة إلى الإمكانات المالية والإعلامية والبناء التنظيمي المحكم. ولا ننسى أن بقية الأحزاب الأخرى دخلت إلى سباق الانتخابات منقسمة ومشتتة في عدّة قوائم، ولا أحد يشك في أن هذه الانتخابات، وإن كانت ديموقراطية وشفافة، من المعروف أنها لا تُنجز في يوم وليلة ولا في ساعات، بل هي نتيجة موروث كامل وظروف متشابكة بين الذاتي والموضوعي وبين المادي والمعنوي وبين الداخلي والخارجي.
■ كيف تقيمون أداء الحكومة التي انبثقت عن هذه الانتخابات؟
ـ مع أن عُمرُ هذه الحكومة المؤقتة لم يتجاوز الشهرين، فإن بوادر عملها اتسمت بالارتباك، اضافة الى عدم وضوح مشروعها وبرنامجها، وهذا نتيجة طبيعية لأنها ليست حكومة كفاءات بقدر ما هي حكومة حزبية قامت على أساس الغالبية والأقلية، في حين أننا في تونس نعيش الآن مرحلة انتقالية لما بعد الثورة، وهذه المرحلة تتطلب الوفاق والتوافق بين كل مكونات المشهد السياسي والمدني من أحزاب وجمعيات ومنظمات من دون إقصاء أو استثناء، لأن التجارب الثورية على مدى التاريخ علمتنا أن مراحل ما بعد الثورة تُدار بالوفاق وليس بقاعدة الغالبية والأقلية، إلى حين إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، لأنها الوحيدة المؤهلة لمنح الشرعية الكاملة للأحزاب أو الحزب الفائز، على عكس هذه المرحلة التأسيسية المؤقتة التي تتسم بنصف الشرعية (من شرعية الثورة إلى شرعية الدولة).

■ هل هذا الارتباك والتذبذب في عمل الحكومة وسيطرة حركة «النهضة» على المشهد السياسي، هو الذي دفعكم إلى الدخول في تحالف سياسي مع عدة أطراف يسارية تقدّمية؟
ـ وإن كنا لا ننكر أن المشهد السياسي الحالي له دور في تسريع نسق الالتقاء والعمل المشترك مع بعض الأحزاب التقدمية واليسارية، فإن هذا ليس بجديد، لأن التقاءنا سابق على 14 كانون الثاني 2011، سواء في القطاعات المهنية، كالمحاماة أو في النقابات من خلال الاتحاد العام التونسي للشغل، أو في الجامعة من خلال الاتحاد العام لطلبة تونس، أو على المستوى السياسي في هيئة 18 تشرين الأول 2005، والتي ضمت إلى جانبنا حزب «العمال» الشيوعي التونسي وحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» وحزب «التكتل من أجل العمل والحريات» والحزب «الديموقراطي التقدمي» وحركة «النهضة» أيضاً؛ وبالتالي فان الالتقاء والعمل المشترك الآن يجب أن يكون على أرضية سياسية واضحة تقوم على الوفاء لمبادئ الثورة وتأمين الانتقال الديموقراطي والعمل على ضمان الحد الأدنى من الحريات الفردية والعامة والقبول بمبادئ الدولة المدنية الديموقراطية التقدمية التي تتعايش فيها كل الأطراف السياسية ومختلف الرؤيات الإيديولوجية، والقبول بالعملية السياسية المدنية السلمية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من المشاركة في الانتخابات والقبول بديموقراطية الصندوق كآلية للتداول السلمي على السلطة، ورفض التدخل الأجنبي، مهما كان مصدره وشكله، في شؤوننا الداخلية، والدفاع عن سيادة القرار الوطني مع رفض كل أشكال التطبيع الصهيوني ورفض انخراط تونس في أي من المشاريع السياسية ذات النزعة الاستعمارية مهما اتخذت لها من الأسماء.

■ كيف تقيمون عملية الانصهار بين حزبي «افاق تونس» و«الديموقراطي التقدمي»؟
ـ هي خطوة في الاتجاه الصحيح، وان كانت متأخرة، وذلك كي نخرج من حالة الانفلات الحزبي وبناء حياة سياسية سليمة لأن وجود أكثر من 100 حزب لن يخدم الانتقال الديموقراطي السلمي للسلطة، ولا الحياة السياسية عموماً، بل سيخدم فقط حزباً أو حزبين ويكون بوابة لعودة الديكتاتورية ونظام الحزب الواحد من جديد؛ فتاريخياً نشأت هذه الأحزاب الكثيرة في واقع يشهد انفلاتاً أمنياً وسياسياً، ومثلما كان يفعل بن علي عندما كان يؤسس بعض الأحزاب بقرار إداري لإفساد الحياة السياسية، فإننا نرى أن التعدد الحزبي الحالي يشوه الحياة السياسية ولا يخدم الديموقراطية في شيء. ونتمنى أن تبقى في تونس اليوم أربعة أحزاب كبرى تمثل المرجعيات الفكرية والإيديولوجية الكبرى (الليبرالية والقومية والماركسية والإسلامية).

■ كيف تقرأون مواقف الرئيس التونسي المؤقت منصف المرزوقي بخصوص استقبال المجلس الوطني الانتقالي السوري ومشروع الوحدة الاندماجية بين تونس وليبيا؟
ـ بالنسبة إلى المجلس الانتقالي السوري، اعتقد أن السيد الرئيس قد وقع في خطأ عندما استقبل المجلس الوطني الانتقالي السوري، وكنت قد أبديت له بعد لقائي به تحفظنا ورفضنا لهذه الخطوة على اعتبارها تتعارض مع مصلحة الشعب السوري ومسار ثورته، حيث المجلس الوطني الانتقالي السوري لا يمثل كل المعارضة السورية؛ فكان جوابه واضحاً وصريحاً وتمثل في رفضه التام لمشروع وبرنامج المجلس الوطني السوري الداعي خصوصاً إلى تدويل الأزمة السورية والتدخل الأجنبي. وطلب الرئيس من المجلس الوطني الانتقالي توحيد صفوف المعارضة السورية، في إشارة إلى هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي في سوريا برئاسة حسن عبد العظيم، وطالبها بنبذ الطائفية والحفاظ على سلمية الثورة وعدم عسكرتها وهو الموقف الذي بلغه الرئيس المرزوقي أيضاً لوفد التنسيقية بعدما استقبله أخيراً بقصر قرطاج، داعياً إياهم مجدداً إلى توحيد صفوف المعارضة السورية ورفض التدخل الأجنبي على اعتباره أمراً انتحارياً، وهو نفس الموقف الذي عبرنا عنه في بيان مشترك أصدرناه في 7 كانون الثاني 2012 مع التنسيقية الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي.

■ ماذا عن مشروع الوحدة الاندماجية مع ليبيا؟
بالنسبة لمشروع الوحدة الاندماجية مع ليبيا، فنحن ننطلق من مسلمة أن الشعب العربي واحد في كل الأقطار العربية، وأن الوحدة العربية (اندماجية، كونفدرالية، فدرالية) هي المصير المحتوم مستقبلاً بحكم أن الوحدة العربية أضحت اليوم ضرورة وليست خياراً أمام الكيانات السياسية الكبرى والعظمى، ألا أنه علينا أن نتعظ من التجارب التاريخية مثلما وقع في السبعينيات من القرن الماضي، اذ لم يدم عمر الوحدة الاندماجية بين تونس وليبيا سوى 24 ساعة فقط، كما أن هذه الوحدة يجب أن تكون نابعة من إرادة الشعبين ومن خلال مؤسساتهما الدستورية المنتخبة ديموقراطياً، وبذلك فإن دعوة منصف المرزوقي التي نؤيدها من حيث المبدأ، نتحفظ على توقيتها وارتجاليتها.



أعلن رئيس الحكومة التونسية، حمادي الجبالي، أمس، أن الاشتباكات الأخيرة الدامية بين قوات الامن وبين مجموعة مسلحة في صفاقس هي حادثة معزولة «لم تمر في تونس مهما كانت الجهة التي تقف وراءها ومهما كانت الايديولوجيات». وأكد أن «مجتمعنا لا يقبل مثل هذه التصرفات، ليس بالقوة والسلاح نفرض الآراء».