غزة | على حين غفلة وصلت أعداد قليلة من صحيفة الأخبار اللبنانية، تلقّفها الزملاء في غزة بلهفة كبيرة بعدما فقدوا أمل أن تصل غزة بشكل طبيعي بسبب الحصار الثقافي على غزة. أخذوا يتصفحون أوراقها وصولاً إلى صفحات مقالاتهم. شعيب أوّلهم، قلب أوراق الصحيفة للخلف بسرعة، وكأنّه يعرف أين هي ضالته، أخيراً وصل للقطته المصوّرة، رآها فهاله كبر حجم الصورة المطبوعة التي تعوّد رؤيتها بحجم أصغر عبر الصفحة الالكترونية.
سناء تفاءلت خيراً بوصول صحيفة ورقية «طويلة عريضة» من العالم الخارجي إلى غزة كما وصفت، فهذا يبشرها بإمكانيّة اختراق حاجز عزل مدينتها عن العالم. ريهام تحسست ملمس ورق الصحيفة طويلاً، الحكاية أنّها كانت تريد أن تتأكد إن كان ملمس ورقها يشبه ملمس ورق الصحف المصرية التي تهرّب أعداد منها إلى غزة بين الفينة والأخرى. لكنّها الفرحة المنقوصة، لم تستطع اخفاء نفسها عن وجه أماني لدى رؤيتها مقالتها الوحيدة تتوسط الصفحة، لكون أماني تمنّت رؤية أي من الصحف الفلسطينية الثلاث الممنوعة من دخول غزة منذ أحداث حزيران 2007 . لحظة قاسية لا يشعر بها إلا من تعوّد أن تكون الصحيفة جزءاً لا يتجزأ من وجبة الإفطار الصباحية، تغذّيه بكل الأخبار الثقافية والاجتماعية والفنية والرياضية ولا تنحصر في السياسية منها، تكون مصدراً خاصاً لأخباره وكل ما يبحث عن معرفته، فلا يحتاج إلى مصادر خارجية تمدّه بتقارير إخبارية تحكي عنه ما دامت صحفه تترقرق بين يديه. لكن الذي حدث بعد أحداث حزيران 2007 أنّ صحيفة فلسطين الصادرة في غزة وتتبع لفصيل حماس منعت من دخول الضفة الغربية، والصحف الثلاث: القدس والأيام والحياة الصادرة هناك وتتبع لفصيل فتح منعت تباعاً من دخول قطاع غزة. المحصّلة: السلطوية الحزبية لكلا الطرفين أدّت إلى واقع إعلامي غزّي فارغ تماماً سوى من صحيفة فلسطين المحليّة، بعدما كان القطاع باباً مشرّعاً لأعداد كبيرة من الصحف والمجلات العربية، حتى أنّ أعداداً كثيرة كانت تفيض فتعود للشركة الموزّعة. هذه الأيّام العم أبو سامح، الثمانيني، بكل ارتعاشات يديه، يعيد صف ما بقي من كتب قديمة في رفوف مكتبته، بعدما كان يتفاخر سابقاً بقدرته على جلب أي كتاب يُطلب منه خلال يومين، حتى أنّه من فرط خوفه أن يفقد ما تبّقى له من كتب، أصبح متردداً يتلكأ في بيع النسخ الأخيرة منها. قهره ما آلت إليه الحالة الثقافية، ظاهر في نظراته التي كانت تتجول في أرجاء المكتبة كمن يتذكر ايام العزّ، يلقي نظرة فخورة تجاه جائزة شركة التوزيع تكريماً له على سني العمل الطويلة منذ الستينيات، وأخرى يصوّبها الى الصحف والمجلات المصرية المهرّبة عبر الأنفاق. بين تلك النظرة وتلك، جلس رفيقه يتباكى على زمن الصحيفة الورقية واصفاً ايّاها بصحف العجائز، وأنّها لم تعد تليق بعصر التكنولوجيا والعولمة، ردّه الكاتب توفيق أبو شومر باشتياقه لامتلاك الصحيفة الورقية، الامتلاك ذاته بالنسبة له أثره وقيمته، إعادة قراءة مقال مرات عدّة دون أن ينهك ظهره في التسمّر أمام شاشة الكمبيوتر، ربما يقرأها وهو مضطجع وفي أي وضعية يرغب بها دون أي تقييد، وبغض النظر عن التيار الكهربائي.. هذه التفاصيل الحميمة ليست أكثر ما يشغل الكاتب أبو شومر، بل غياب الصحيفة عن وجبة الوعي التي انحصرت أخيراً في أخبار سياسية دون الثقافة هو الذي يقلق أبو شومر وغيره من المثقفين الغزيّين على الحالة الثقافية عموماً.