باريس | تبدو مبادرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الرامية إلى إنشاء مجموعة اتصال خاصة بسوريا شبيهه بتلك التي بادر إليها قصر الإليزيه العام الماضي بشأن ليبيا، لوضع خريطة طريق سياسية مدعومة من الأطراف الدولية، في إطار جهود إسقاط معمر القذافي، على الرغم من استبعاد القوى الغربية تدخلاً عسكرياً على النمط الليبي في سوريا. وقال ساركوزي إن فرنسا تتشاور مع دول عربية وأوروبية من أجل إنشاء مجموعة اتصال بشأن سوريا للتوصل إلى حل للأزمة، بعدما استخدمت روسيا والصين حق النقض لإعاقة قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو الرئيس السوري إلى التنحّي. واتهم ساركوزي موسكو وبكين بأنهما «تشجعان النظام (السوري) على مواصلة سياساته الوحشية بلا نهاية». وقال، في بيان، إن «فرنسا لن تيأس»، وإنها على اتصال بشركائها العرب والأوروبيين لإنشاء «مجموعة أصدقاء الشعب السوري» التي ستحشد الدعم الدولي لتنفيذ الخطة العربية.
هذا المقترح الفرنسي، الذي يعدّ توجهاً غير متوقّع للعمل خارج مرجعية الأمم المتحدة، فاجأ غالبية المحللين والمسؤولين السياسيين الفرنسيين، بمن فيهم وزير الخارجية ألان جوبيه، الذي رفض خلال استضافته في نشرة الأخبار الرئيسية على التلفزيون الحكومي «فرانس 2»، مساء أول من أمس، التعليق على مقترح «الإليزيه». وكان واضحاً أن جوبيه بدا محرجاً، لأنه لم يكن على اطلاع مسبق على هذه المبادرة، الأمر الذي أعاد إلى الواجهة معضلة «ازدواجية القرار» التي تعاني منها الدبلوماسية الفرنسية. وكان سبق لجوبيه أن استُبعد من قرار شنّ الحرب في ليبيا، حيث لم يعلم وزير الخارجية الفرنسي آنذاك بالقرار المتعلق بليبيا، الذي أعلنه برنار هنري ليفي من باحة قصر الإليزيه، سوى عبر وسائل الإعلام، أثناء مشاركته في اجتماع أوروبي في بروكسل.
لكن ارتباك جوبيه على «فرانس 2» سرعان ما تبدّد في تصريح لاحق على قناة «بي أف أم تي»، إذ أعلن جوبيه أن الاتحاد الأوروبي «سيشدد العقوبات المفروضة على النظام السوري». وقال «سنساعد المعارضة السورية على تنظيم نفسها، وستشدد أوروبا العقوبات المفروضة على النظام السوري، ثم سنسعى إلى تعزيز الضغط الدولي، وسيأتي وقت يُجبر فيه النظام على إدراك أنه معزول، ولا يمكنه الاستمرار».
ومن ميونخ، أعرب وزير الخارجية الألماني غيدو فيستيرفيلي عن تأييده لفكرة إنشاء مجموعة اتصال دولية بشأن سوريا لإعادة الوضع إلى طبيعته فيها. وقال فيستيرفيلي، خلال المؤتمر الختامي الـ48 للسياسة الأمنية في ميونيخ أمس، إن الدور الأساسي في هذه المجموعة يجب أن تؤديه «تركيا وجامعة الدول العربية».
وفيما عُدّ مقترح ساركوزي، لتأسيس «مجموعة أصدقاء الشعب السوري»، إجراءً انفرادياً يهدف إلى الالتفاف على مرجعية مجلس الأمن، أكّد جوبيه أن دبلوماسية بلاده ستواصل جهودها لتقريب وجهات النظر بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن. وتابع جوبيه: «انطلاقا ممّا عايشتُه وسمعتُه (في اجتماع مجلس الأمن الأخير)، تكوّن لديَّ اقتناع بأن هذه المهة ليست مستحيلة، وهناك حظوظ فعلية في تقريب وجهات النظر في الأيام المقبلة. وهناك نافذة مفتوحة لإقناع روسيا، فقد اعترف ممثّلها بأن مشروع القرار الأخير تضمّن عناصر مهمة لدى روسيا كامل الاستعداد لمناقشتها».
وإلى جانب الجدل المتعلق بازدواجية القرار، التي تجعل جوبيه آخر من يعلم بالمبادرات الدبلوماسية التي يطلقها الرئيس ساركوزي، يثير مقترح إنشاء «مجموعة أصدقاء الشعب السوري» أسئلة كثيرة. فعلى الرغم من أن قصر الرئاسة الفرنسي لم يكشف أي تفاصيل ملموسة بخصوص هذه المبادرة، إلا أن البحث عن إطار بديل لحشد الدعم الدولي للمبادرة العربية يعني التخلي عن شرعية الأمم المتحدة. وهو ما يصعب قبوله من قبل الرأي العام الفرنسي، الذي يرى أن الإنجاز الأهم في عهد الرئيس شيراك كان جعل بلاده رأس الحرب في معارضة قرار الرئيس بوش بالالتفاف على شرعية مجلس الأمن، من خلال تأسيس «تحالف بديل» لشن حرب احتلال العراق على نحو انفرادي.
وفيما رفضت المصادر الرسمية في «الإليزيه» تقديم أي تفاصيل إضافية بخصوص هذه المبادرة، قال مصدر إعلامي مقرّب من الرئيس ساركوزي إن هذا المقترح «لا يمكن مقارنته بما حدث في العراق أو يوغوسلافيا سابقاً. فهو لا يهدف إطلاقاً إلى شنّ حرب على نحو انفرادي، من دون الاستناد إلى مرجعية الأمم المتحدة. بل القصد هنا هو حشد الدعم السياسي والدبلوماسي للضغط على النظام السوري من أجل دفعه إلى قبول خطة سياسية تحظى مسبقاً بشرعية الجامعة العربية».
وللتدليل على ذلك يقول المصدر ذاته، في حديث إلى «الأخبار»، «الذين تسرّعوا في مقارنة المقترح بما حدث في العراق أو في ليبيا أخيراً، أغفلوا معطى بالغ الأهمية، وهو أن الرئيس ساركوزي يستعد لخوض معترك انتخابات الرئاسة، بعد أقل من ثلاثة أشهر. وهذا لا يسمح له على الإطلاق بخوض حملة حربية لا أحد يعلم ما يمكن أن تؤدي إليه».
وفيما يبدو رداً مباشراً على بشائر التلويح بالحل العسكري خارج إطار مجلس الأمن، أكد وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي أن التدخل العسكري في سوريا سيؤدي إلى انفجار المنطقة بأكملها، مبدياً استغرابه من نقل الجامعة العربية ملف الأزمة السورية إلى مجلس الأمن في وقت كانت فيه مهمة المراقبين العرب متواصلة.