■ بعد 21 عاماً من المفاوضات، كيف قوّمتم «استكشاف عمان» في اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؟عليّ أن أعترف بأن الوضع من سيّئ إلى أسوأ، لأننا في مدريد كنا ذاهبين بموقف واضح وهو إنهاء الاحتلال، وتمكين الجبهة الداخلية للشعب الفلسطيني من أجل نيل الحرية وتقرير المصير وإقامة دولتنا المستقلة. ولا يخفى على أحد أن إسرائيل استغلت العقدين الماضيين للإمعان في سياستها، التي تتلخص في جدار الفصل والاستيطان ووضع الأراضي الفلسطينية تحت الحصار، كما أنها استغلت العملية التفاوضية للتهرب من المساءلة، ولترميم علاقاتها مع كل دول العالم، وذلك بتواطؤ مع الولايات المتحدة، لتصبح المفاوضات وسيلة لإعطاء إسرائيل هذا الغطاء لاستهداف كل ما هو فلسطيني.

* تحدثتم كثيراً عن الخيارات ما بعد أيلول، وما بعد كانون الثاني، ولا يزال الشعب ينتظر هذه الخيارات.
- لدينا خيارات، وأكشف لكم أن الأهم هو تصويب عمل السلطة الفلسطينية، وتعريف مسؤولياتها، لأن إسرائيل لم تلتزم بتنفيذ أيّ من الاتفاقات المبرمة مع السلطة الفلسطينية دولياً، وعمدت إلى حصر السلطة بقضايا أمنية، وبالتالي، ضمن خياراتنا إعادة التفكير ملياً في الاتفاقيات الأمنية والسياسية والاقتصادية. خياراتنا الأخرى داخلياً تتعلق بتمكين الفلسطينيين على هذه الأرض، والتركيز على المقاومة الشعبية. أما خارجياً، فأهم الخيارات هي تلك المتعلقة بمجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة، وكافة المؤسسات الدولية، والملاحقات القضائية لإسرائيل، وميثاق جنيف وكافة الدول الموقعة عليه، ضمن خطة استراتيجية فلسطينية متكاملة.

■ الشارع غير مقتنع بجدية هذه الخيارات وجدواها
طبعاً هناك خيارات خاضعة لقرارنا، وأخرى ليست كذلك، فنحن لا نستطيع أن نتوقع أن نسيطر على العالم، بل نعمل بما هو متاح، وليتنا نمتلك خيار التدخل في السياسة الخارجية الأميركية كما تفعل إسرائيل، وللأسف لا نملك لوبي فلسطينياً ضاغطاً في الولايات المتحدة ولا أموالاً، ولا أجهزة إعلام تسيطر على العالم. نحن في حالة تحدٍّ تاريخي، وهذه أصعب مرحلة تمر بها القضية الفلسطينية على الإطلاق، وأعدّها مرحلة استكمال لنكبة 1948، لأنها تأتي من منطلق توراتي ديني يفيد بأن هذه أرض إسرائيل، ونحن دخلاء عليها وسط حكم أكثر الأحزاب تطرفاً في إسرائيل.

■ لماذا لا يشعر المواطن بمصالحة وطنية حقيقية وجدية على الأرض؟
لأن المصالحة معقدة جداً، وليست بين فصيلين (فتح وحماس) كما يعتقد البعض، بل هي مسؤولية كافة فصائل العمل الوطني، ومؤسسات المجتمع المدني والشعب بأكمله. نحن جادون جداً في المصالحة، وهي ليست على الرف ولا مرتبطة بالمفاوضات أو غيرها، ونعلم تماماً أن الانقسام قاتل للقضية والشعب، وقد ألّفنا لجاناً للحريات والمصالحة المجتمعية التي اجتمعت جميعها وبدأت العمل، وأنا شاركت في اجتماع القاهرة، وسنعاود الاجتماع نهاية الشهر الجاري، لكن مهمّاتها معقدة لأننا نعمل على القضايا البنيوية.

■ ماذا عن الانتخابات وتأجيلها؟
نحن كنا ندفع باتجاه أن تجري الانتخابات التشريعية والرئاسية وتلك الخاصة بالمجلس الوطني في موعدها، وتأجيل الانتخابات هو لأسباب فنيّة، بالتالي سيُصار إلى إعلان موعد جديد، لكن أمر إجرائها جديّ جداً. الأمور الفنية هذه تتمثل في تحديث سجل الناخبين في قطاع غزة، نظراً إلى توقف عمل لجنة الانتخابات المركزية في القطاع لسنوات، نتيجة للانقسام، كما أنّ الأهم هو العمل على ضمان مشاركة المواطنين المقدسيين في أيّ انتخابات كجزء من الشعب الفلسطيني سياسياً وجغرافياً، وتوفير كافة الأجواء الملائمة لمشاركتهم وحمايتهم وفق المعايير الدولية.

■ ماذا عن الاتفاق على حكومة جديدة؟ ولماذا استبعد سلام فياض؟
بخصوص سلام فياض، أنا منزعجة جداً من طريقة التعامل معه بهذه الطريقة، لأن سلام فياض شخص خدم الشعب والقضية الفلسطينية بتفان وإخلاص وأخلاق. بخصوص الحكومة المقبلة، مهما كانت تسميتها، هناك عمل كبير أُنجز في هذا الملف، والمفروض أن يبدأ نقاش الأسماء لأننا متفقون على أن أية حكومة جديدة ستتكوّن من الكفاءات الفلسطينية المستقلة، ولا ترتبط لا بتمثيل ولا بفصيل. الحكومة الانتقالية لها مهمّات عملية واضحة، وليست ذات مهمّات سياسية، كما أنها لن تفاوض باسم الشعب الفلسطيني، لأن هذا الأمر من صلاحيات منظمة التحرير الفلسطينية وحدها. المهم أن تحصل أيّ حكومة مقبلة على رضى الجميع داخلياً على نحو رئيس، وخارجياً من المجتمع الدولي، كي نواصل الحصول على المعونات المالية، ونتمكن من المضي قدماً في القضية الأهم، وهي إنهاء الاحتلال.

■ ما هو وضع مدينة القدس على الأرض، وأيضاً في أيّ عملية تفاوض؟
أقل ما أصف به وضع القدس بأنه مأساة حقيقية، فالأمر ليس فقط بأن إسرائيل تنكرت للاتفاقات والوعود، بل إنها أيضاً ماضية قدماً وبسرعة مذهلة في تهويد المدينة المقدسة، وتزوير تاريخها، والوصف الدقيق لهذه الحالة هو عملية تطهير عرقي مبرمج ومدروس. إسرائيل اليوم تطبق على مدينة القدس حصاراً ثلاثياً عن طريق الجدار والاستيطان وحصار الحواجز والمعابر الدولية.

■ كيف تتعاملون مع قضية الأسرى في سجون الاحتلال؟
المهم أن يعلم العالم بأن إسرائيل تستغل قضية الأسرى للابتزاز السياسي بحق الفلسطينيين، ونحن نرفض هذا الابتزاز، كما نرفض دفع ثمن لإسرائيل في سبيل الإفراج عنهم، لأن عدم إطلاق سراح الأسرى هو خرق للقانون الدولي بحد ذاته. لذلك فالأمر بالنسبة إلينا غير خاضع لبوادر حسن نية، أو إطلاق سراح مشروط، وخصوصاً أولئك الأسرى الذين اعتُقلوا قبل عام 1993، بحسب كل الاتفاقيات الدولية التي تنكرت لها إسرائيل، وخاصة أنها لا تزال تمارس الاعتقال بمختلف أنواعه، وانتهكت حصانة النواب الفلسطينيين.

■ واضح أن الحريات العامة وحرية التعبير غير مصونة في البلد، واعتقال الصحافيين مستمر.
هذا أمر مؤسف، لأن هذه قضية أساسية، ولأننا ناضلنا عقوداً من أجل حماية الحقوق والحريات، ولا يجوز أن يكون الانقسام ذريعة لأحد، لأن مثل هذه الأمور تشوّه واقعنا، والحديث ليس عن الصحافة فحسب، بل أيضاً عن الاعتقال السياسي، تحديداً لأن الدستور الفلسطيني يكفل هذه الحرية.



حنان عشراوي من مواليد رام الله، أستاذة جامعية، اختيرت في 1991 لتمثيل منظمة التحرير في محادثات السلام في مدريد. درست القيادية «الفتحاوية» في الجامعة الأميركية في بيروت، قبل حصولها على الدكتوراه من جامعة فرجينيا. هي وزوجها، وهو مصور وموسيقي، اختارا العيش في الضفة الغربية المحتلّة