كثّف المسؤولون الروس، أمس، من إعلان موقف موسكو من الأزمة السورية. وقال الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف إنه يريد أن يتواصل البحث عن حل للأزمة السورية، بما في ذلك داخل مجلس الأمن الدولي، بحسب ما أفاد الكرملن. وقال الكرملن إن مدفيديف أكد، في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، «ضرورة الاستمرار بالبحث ـــ بما في ذلك في مجلس الأمن الدولي ـــ عن سبل منسقة لمساعدة السوريين على ضبط الأزمة بأنفسهم». وأضاف أن ذلك يجب أن يحدث «دون تدخل خارجي، وباحترام تام لسيادة سوريا».
ونقل عن مدفيديف قوله إن مشروع القرار الذي اقترح في مجلس الأمن «لم يسمح لنا بالقيام بتقييمات غير متحيّزة للوضع في سوريا أو ضمان دعوة الطرفين إلى وقف إطلاق النار وإنهاء سفك الدماء». وقال إن «مثل هذا القرار لم يكن ليشجع البحث عن طريقة سلمية لحل الأزمة».
وقال رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين، إن موسكو تدين العنف في سوريا، ولكنها تعارض التدخل في الشؤون السورية الداخلية. ونقلت وكالة الأنباء الروسية (نوفوستي) عن بوتين قوله، أثناء لقائه ممثلي الطوائف الدينية الروسية، «بطبيعة الحال ندين أي عنف مهما كان مصدره، ولكن لا يجوز لأحد أن يتصرف كأنه فيل في دكان لبيع الأواني الخزفية، بل يجب ترك الناس يقررون مصيرهم بأنفسهم». وشدد على عدم جواز تدخّل القوى الخارجية في شؤون سوريا، مشيراً إلى أن القوى الخارجية تستطيع أن تقدم المشورة وتحثّ الأطراف المتنازعة على الامتناع عن استخدام الأسلحة، «ولكن التدخل لا يجوز في أي حال من الأحوال».
بدوره، رفض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، التعليق عمّا إذا كان قد بحث مع الرئيس السوري بشار الأسد احتمال تنحّيه عن السلطة، مشدداً على أن السوريين هم من يقرر مصيره. وصرح لافروف أمام صحافيين «ليس من شأن الأسرة الدولية أن تحاول تحديد نتيجة الحوار الوطني مسبقاً»، مشدداً على ضرورة إجراء مفاوضات بين الحكومة والمعارضة. وطلب من جميع الجهات التي لها تأثير على المعارضة السورية حثّ هذه الأخيرة على بدء المفاوضات مع الحكومة السورية. وأضاف لافروف أن استدعاء السفراء من سوريا لن يسهم في تطبيق الخطة العربية لحل الأزمة في هذا البلد. وقال «إن وجود مراقبين أجانب دائماً يساعد على ضبط النفس، وليس من الواضح لماذا قرر عدد من دول الخليج استدعاء مندوبيهم من هذه البعثة، ولماذا جرى بعد ذلك تعليق أعمال البعثة بينما كان من المفترض أن تعرض تقريرها أمام مجلس الأمن الدولي».
ودافع لافروف عن الفيتو الروسي، قائلاً إن موسكو إنما حالت بذلك دون تمكن المجموعات المسلحة المعارضة من السيطرة على المزيد من المدن. وتابع «نعم لقد فوّتنا تلك الفرصة. وإذا كان ذلك هدف معدّي مشروع القرار، كان لا بد أن يقولوا مباشرة إننا نريد أن تسيطر المجموعات المسلحة على المدن في سوريا». وختم بالقول «عليكم اعتماد الصراحة مع شركائكم، لأن نصف الحقيقة أسوأ من الكذب».
وأفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية أن لافروف بحث خلال اتصالين هاتفيين تلقّاهما من كل من نظيريه الألماني غيدو فيسترفيليه والبريطاني وليام هيغ الأوضاع في سوريا، ونتائج زيارته لدمشق.
من جهة ثانية، قدّر المجلس الوطني السوري، في بيان، طلب دول مجلس التعاون الخليجي من السفراء السوريين المعتمدين لديها مغادرة أراضيها وسحب سفرائها من سوريا، داعياً إلى الاعتراف الرسمي بالمجلس «ممثلاً لإرادة الثورة والشعب في سوريا».
في المقابل، أعلنت هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي السورية المعارضة أن وفداً منها يزور الصين حالياً بدعوة من حكومتها، لبلورة ما وصفه ببرنامج سياسي يمهّد للوصول إلى مرحلة انتقالية تبعد البلاد عن مخاطر دوامة العنف والحرب الأهلية والتدخل العسكري الخارجي. وأشار البيان إلى أن رئيس الوفد هيثم مناع أبلغ نائب وزير الخارجية الصيني لشؤون المنطقة العربية، شيه هانغشنغ، «أن هيئة التنسيق الوطنية تدرك أن التغيير بالقدرات الذاتية وحده كفيل بشرف السيادة للدولة الديموقراطية المدنية الجديدة».
وفي بكين، أعلن ناطق باسم الدبلوماسية الصينية أن اتهامات بريطانيا للصين بأنها «تخلّت» عن الشعب السوري «غير مسؤولة». وقال ليو ويمين، الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، إن «تحرك الصين عادل ومنصف، وكل المحاولات الرامية الى زرع الانشقاق في العلاقات الصينية العربية عبثية». وقال إن تلك التصريحات «غير مسؤولة أبداً»، مؤكداً أن «الصين صديقة الشعب السوري بمجمله».
وطلب نائب الرئيس الاميركي جو بايدن من الزعيم المحتمل المقبل للصين شي جين بينغ التعاون بشأن «القضايا العملية»، عقب تصويت الصين بالفيتو على قرار مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا، بحسب ما أفاد البيت الابيض أمس. وأجرى بايدن مكالمة هاتفية الثلاثاء مع شي، نائب الرئيس الصيني، لترتيب أجندة الزيارة التي سيقوم بها شي، الذي يتوقع أن يخلف الرئيس الحالي هو جينتاو، إلى واشنطن الأسبوع المقبل.
وفي باريس، أعلن وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه أنه لا يصدق «على الإطلاق» تعهدات دمشق، خلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ورأى أن تلك الوعود بوضع حدّ لأعمال العنف مجرد «محاولة للتلاعب». وسئل جوبيه في برنامج إعلامي مشترك عمّا يرغب في أن يقوله للروس، فأجاب «إنكم تخدعون أنفسكم، وذرائعكم ليست قوية». وأوضح أنه بعد الفيتو الروسي «يجب أن نكرر طرح المسألة، وما اقترحناه هو أن نعقد اجتماعاً لمجموعة أصدقاء سوريا».
بدوره، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن «ثقته قليلة جداً» بنتائج زيارة لافروف لدمشق. وقال رئيس الحكومة البريطانية أمام مجلس العموم «أعتقد أن ثقتنا قليلة جداً بهذا الموضوع». وأضاف كاميرون أن بريطانيا ستزيد دعمها لمجموعات المعارضة داخل سوريا وخارجها وستؤدي دوراً قيادياً في «مجموعة اتصال» لدول تحاول إنهاء العنف في سوريا.
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)