تعز | على مدى عام كامل، أرهقت مدينة تعز اليمنية نظام الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، أكثر من أي محافظة أخرى. واليوم، وبعد مرور عام على الثورة الشبابية، تدشن المدينة، الواقعة على بعد 260 كيلومتراً جنوبي صنعاء، عملية كبرى لإنعاش الثورة الشبابية، عبر احتفال تحيي من خلاله الذكرى الأولى لانطلاق الثورة وتوصل من خلاله رسالة على «أن الثورة مستمرة». ومثلما كانت نقطة البداية من شارع وسط المدينة، اسمه «شارع جمال عبد الناصر»، الذي تجمع فيه شباب تعز ليلة سقوط نظام مبارك ليهتفوا بسقوط نظام الرئيس صالح قبل أن ينتقلوا في صباح اليوم التالي إلى ساحة أطلقوا عليها «ساحة الحرية»، دعت اللجنة المنظمة لذكرى «ثورة 11 فبراير»، في بيان لها، كافة ابناء الشعب اليمني إلى الخروج بـ«تصعيد وتخليد ثوري إلى شارع جمال (تعز) والى كافة ساحات الحرية والتغير بمختلف المحافظات»، معتبرين الـ«١١ من شباط يوم مولد الثورة الشبابية السلمية إجازة وطنية رسمية بمقتضى الشرعية الثورية المستمرة».
وتؤكد اللجنة المنظمة للمناسبة أن الاحتفال سيتنادى إليه مناضلو الثورة «في كل بقاع ومناطق اليمن»، يحدوهم الاصرار على المضي قدماً في نضالهم السلمي من أجل تحقيق كافة اهداف الثورة، وإقامة الدولة المدنية القائمة على المواطنة المتساوية وضمان العدالة وصيانة الحقوق والحريات الفردية والعامة، وهي الدولة التي ينشدها اليمنيون، ويرون فيها خلاصهم من الاستبداد والطغيان والفساد والسطو الممنهج على السلطة «والقهر والاذلال الذي مارسه نظام الطاغية المخلوع علي صالح».
ويرى المنظمون أن تاريخ 11 شباط «علامة فاصلة في تاريخ الشعب المعاصر»، حيث كسر فتيةٌ من شباب تعز، في مثل هذا اليوم، حاجز الخوف وأوقفوا مسار توريث الحكم بعدما هبوا «لاسترداد جمهوريتهم المخطوفة».
أما إحياء هذا اليوم، فيوضح نوح الوافي، وهو عضو في اللجنة التنظيمية، أنه لا يعلن انتصار الشعب، لأن الثورة لا يزال أمامها الكثير من المهام الكبرى. ويضيف لـ«الأخبار» «نحن نخلّد يوماً لن يُنسى، أما الاحتفال الحقيقي فلن يكون الّا بعد اسقاط النظام المستبد، وعندما يكون هناك برلمان منتخب وحكومة من الشعب والى الشعب، ودستور نرتضيه، ورئيس مدني، إضافة الى قصاص عادل للمجرمين»، مشدداً على أنّ تعز لن تستكين قبل تحقيق ذلك.
ففي تعز، الثورة ليست مسيرات فقط، ولا بيانات استعراضية. هنا «الثورة هدف»، سعى المحتجون طيلة مشوار الثورة، إلى الوصول إليه بابتكار الاساليب الثورية التي حافظت على روح الثورة في قلوب شباب الساحات. فلعبت المدينة طوال الأشهر الماضية دوراً في رفد الثورة بالأفكار الثورية السلمية، المثيرة للدهشة أبرزها تجسد في «مسيرة الحياة الراجلة» الشبيهة بـ«مسيرة الملح» لغاندي. وهي مسيرة قطع فيها شباب تعز نحو 260 كيلومتراً مشياً على الأقدام صوب العاصمة صنعاء، في عمل ثوري جبار، أرعب النظام، وأحزاب المعارضة التي اشتركت في السلطة مؤخراً. في المسيرة عينها، قدمت المدينة مزيداً من الشهداء من ابنائها، مجددةً نزيف جرحها الذي لم يندمل حتى اليوم نتيجة العقاب القاسي الذي تعرضت له من قبل قوات نظام صالح، خلال عام كامل. ودفعت المدينة ثمن الحرية غالياً ولا تزال. فالأمن لا يزال منعدماً رغم اتفاقيات التهدئة الكثيرة، والسلاح لم ينزل من الأكتاف. سقط شهداء في المدينة من مختلف الأعمار، اكتظت المستشفيات بالجثث، واضطر الأهالي إلى وضع جثث الشهداء في «ثلاجات منزلية»، لعدم تواجد سعة في ثلاجات الموتى.
يستذكر الدكتور صادق الشجاع، وهو مدير المستشفى الميداني الذي تم نهب محتوياته يوم اقتحام ساحة الحرية أواخر أيار 2011 على أيدي مسلحين وبلاطجة، في حديث مع «الأخبار»، ما عانته المدينة، لافتاً إلى أن 201 شهيد، سقطوا في تعز خلال عام، بياناتهم موثقة وستنشر اسماؤهم. ويضيف «بالنسبة للجرحى وصل عددهم إلى ما يقارب 2500 جريح، منهم 150 حالة إعاقة نسبية، غالبيتهم لم يتم استكمال علاجهم لعدم توفر الموارد المادية للمستشفى الميداني، والأدوية».
كذلك عاشت مدينة تعز، طيلة العام المنصرم، أوضاعاً انسانية مأساوية، فاقمها تعمد النظام تدمير المنشآت الطبية لحرمان المحتجين من أي رعاية طبية كافية. وهو ما تطرقت إليه منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في آخر تقرير لها، نشر قبل أيام.
والثمن الباهظ الذي دفعته تعز، لم يقتصر على الدماء فقط، فالأحياء السكنية كانت هدفاً للقذائف التي ترسلها مدافع ودبابات قوات نظام صالح، وهو ما أدى إلى تدمير العديد من المنازل دون أن يؤدي ذلك إلى الانتقاص من عزيمة شبابها.
فوهج الثورة لم ينطفئ في تعز، بالرغم من المساومات السياسية التي أسفرت عن توقيع المبادرة الخليجية. ولم يكل أبناء المدينة من الخروج للتنديد بالظلم، والمطالبة بحرية كاملة، وليست بالتقسيط، وإن تفاوتت آراؤهم حول ما حققته الثورة الشبابية، ما بين شعور بالرضا وتشاؤم من الآتي.
غازي السامعي، وهو رئيس المجلس الثوري في ساحة الحرية ي تعز، أكد لـ«الأخبار» أن الثورة حققت الكثير من الأهداف، أبرزها «توحيد مكونات الشعب اليمني، واصطفافه والقضاء على نظام الحكم الملكي المغلف بالجمهورية، إضافةً الى أن هناك فرزاً جديداً وحراكاً شبابياً لم يكن موجوداً في المجتمع اليمني». ويضيف «الثورة الآن عملت على اسقاط رأس النظام، وإن كان خرج بحصانة». أما الخطوات القادمة فتتمثل في «توحيد الصفوف الشبابية من أجل رسم معالم الدولة المدنية وتشكيل لجان لمراقبة تحقيق أهداف الثورة وصونها من أي انحراف».
من جهته، يؤكد وسام محمد، أحد شباب ساحة الحرية، أنه عندما نتحدث عن «11 شباط فإننا نتحدث عن ثورة شاملة عمّت اليمن، ولنعتبر كل الأحداث التي سبقت ذلك التاريخ إرهاصات من أجل قيام الثورة». ويرى أن ما حدث في مثل هذا اليوم قبل عام من خروج للمسيرات والاعتصامات «هو نتاج واقعي لما أصبحت عليه الحياة، فاليأس والإحباط كانا قد استوليا على مفاصل المدينة وأصبحت تعز مدينة بلا روح وبلا حركة تذكر»، نتيجة تراكم اثقال تركة ثلاثة وثلاثين عاماً من البؤس والغربة، قبل أن تفاجئ الجميع في الحادي عشر من شباط بخروجها إلى الشارع في حراك لا يزال مستمراً إلى اليوم.