القاهرة | عروس تشترط على عريسها أن تكون صورة زفافهما بجوار دبابة، ومسيرات مليونية في الشوارع تهتف بسقوط العسكر. مشهدان فصل بينهما 11 شهراً. الأول كان مع نزول القوات المسلحة إلى الشوارع بأمر من المخلوع حسني مبارك لإعادة الأمن بعد فشل الشرطة في السيطرة على تظاهرات 25 كانون الثاني، وإعلان القوات المسلحة انحيازها إلى مطالب المتظاهرين، وأنها «لن تشهر سلاحها على مصري». أما الثاني، فكان في الذكرى الأولى للثورة، بعد عام سال فيه الدم في الشوارع، وامتلأت السجون بنشطاء حوكموا أمام القضاء العسكري. «متعبناش متعبناش ثورة كاملة يا أما بلاش»، هتاف صدح في أنحاء ميدان التحرير بوسط القاهرة، وردّدته المسيرات التي جابت شوارع العاصمة والمحافظات في الذكرى الأولى للثورة، لتخرج بعدها الدعوة إلى العصيان المدني في ذكرى خلع مبارك، للمطالبة برحيل العسكر وتبكير انتخابات الرئاسة.
خلال هذا العام كشف العسكر عن وجهه الحقيقي، الذي حاول إخفاءه وراء التحية العسكرية التي أداها اللواء محسن الفنجري، عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لأرواح شهداء الثورة. أيام فقط من تنحي مبارك، وظهرت حقيقة العسكر. في 25 شباط، هاجمت قوات الشرطة العسكرية المعتصمين في ميدان التحرير، الذين رفضوا الرحيل قبل استكمال الثورة. استخدموا الصواعق الكهربائية وطاردوا الثوار في الشوارع الجانبية للميدان. يومها أصدر المجلس العسكر رسالته رقم 22 وعنونها «نعتذر. ورصيدنا لديكم يسمح». بعدها بأيام، وتحديداً في 9 آذار، تمكّنت الشرطة من فضّ اعتصام لسكان منطقة الزرايب بحي منشأة ناصر في القاهرة بالقوة، ووقع أول شهيد على أيدي العسكر. في اليوم التالي مباشرة، وقع هجوم جديد على اعتصام ميدان التحرير، قبل أن تُنتهك الحقوق بأبشع الصور عبر كشف العذرية على الفتيات المعتصمات، والقبض على عدد من الثوار وتعذيبهم في مبنى المتحف المصري في التحرير.
وبعد الانتهاء من فاعليات جمعة التطهير في 8 نيسان، قرر عدد من الشباب الاعتصام بالميدان في اليوم التالي، وشاركهم لأول مرة ضباط من القوات المسلحة، وهو ما دفع الجيش الى الشعور بالخطر، فقرر الهجوم على الميدان والقبض على هؤلاء الضباط، مبقياً مصيرهم مجهولاً حتى اللحظة، قبل أن يقتل شهيدين ويوقع عدداً من الإصابات.
لم تتوقف جرائم العسكر. في أول أيام شهر رمضان، نفذ الجنود هجوماً على اعتصام أهالي الشهداء والمصابين في ميدان التحرير، وتعرض العديد منهم لإصابات بالغة، وألقى القبض على عدد منهم قبل أن يفرج عنهم في وقت لاحق. وفي 9 أيلول، كان الثوار على موعد مع مواجهة جديدة مع العسكر؛ فبعد استشهاد 5 جنود مصريين على الحدود المصرية الإسرائيلية، قرر عدد من الحركات السياسية الاعتصام أمام السفارة الإسرائيلية بالجيزة للمطالبة بطرد السفير وإغلاق السفارة. الشرطة العسكرية هاجمت الاعتصام وقتلت ثلاثة وجرحت 1049 آخرين.
تبقى حادثة ماسبيرو هي الأكثر دموية. حصيلة الموقعة ناهزت 27 شهيداً، غالبيتهم دُهسوا بمدرعات الجيش. ساعد في كشف حجم هذه الجريمة وسائل الإعلام التي كانت ترافق مسيرة الأقباط الرافضة لتكرار أحداث الاعتداء على الكنائس من ميدان شبرا إلى محيط مبنى الإذاعة والتلفزيون «ماسبيرو». القوات المسلحة عقدت بعدها بأيام مؤتمراً صحافياً بررت فيها جريمتها بأنها كانت دفاعاً عن النفس من «المتظاهرين المسلحين».
ولأن الجريمة التي لا يحاسب فاعلها تتكرر، هجم الجيش مرة أخرى على اعتصام مجلس الوزراء في 16 كانون الأول، وسُحل الشباب ومُزقت ملابس الفتيات، وقُتل 17 شخصاً.
جرائم ثبت تورط العسكر فيها بالصوت والصورة. لكن هناك جرائم أخرى نفذتها وزارة الداخلية بأوامر من المجلس العسكري. أحداث اشتباكات شارع محمد محمود، التي راح ضحيتها 46 مواطناً، وأُصيب العشرات فيها برصاص الخرطوش في عيونهم. مع ذلك، عاود العسكر الكرّة في لعبة يدركها الثوار، الذين يهتفون «يا بدين يا بدين ليلتك سودة وزي الطين»، في إشارة إلى قائد الشرطة العسكرية اللواء حمدي بدين.