لم تقنع الرواية الرسمية التي وزعتها وزارة الداخلية المصرية على وسائل الإعلام، مساء أول من أمس، جهات عديدة، فقد ذكرت أنه جرت تصفية خمسة أشخاص قالت «الداخلية» إنهم على صلة بمقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، والعثور على متعلقات ريجيني في منزل أحدهم في خلال دهم منازلهم بعد التعرف إلى هويتهم. وأضاف بيان الوزارة أن هؤلاء تخصصوا في سرقة الأجانب واختطافهم، وسبق أن حررت ضدهم محاضر من أشخاص بجنسيات مختلفة، قبل دهم سيارة كانوا يستقلونها ثم بادروا بإطلاق النار على القوة الأمنية، لتؤدي المواجهة إلى مقتلهم جميعاً دون وقوع إصابات بين رجال «الداخلية».
يبدو أن هذه الرواية جاءت لإغلاق ملف مقتل ريجيني المثير للجدل، الذي يشارك وفد إيطالي رفيع المستوى في التحقيق فيه، ولكنها أثارت تساؤلات عدة، وشكك في صحتها خبراء أمنيون وحتى الصحف الإيطالية، التي رأت غالبيتها في تقاريرها أن «إعلان الداخلية المصرية هو تحميل المسؤولية لأشخاص غير معلومين، تجنباً لإثارة أزمة بين البلدين»، خاصة أن جميع الشبهات تشير إلى تورط أجهزة أمنية في تعذيب ريجيني قبل مقتله، وإيجاده في إحدى المناطق الصحراوية في الجيزة الشهر الماضي بعد اختفائه لنحو ثلاثة أسابيع.
تقرير الطب الشرعي أظهر أن الشاب الإيطالي تعرض لتعذيب بشع قبل وفاته، ما يطرح تساؤلات عن أسباب تعذيب العصابة المذكورة للشاب وقتله بهذه الطريقة البشعة، في حين أن باقي جرائمهم مقتصرة على الاختطاف والسرقة. وفق مصدر أمني، فإن «تحريات المباحث تؤكد أن المتهمين الذين قتلوا هم جميع المتورطين في قضية مقتل ريجيني»، ما يعني أن ملف القضية سيغلق كلياً مع انقضاء الدعوى الجنائية لوفاة المتهمين، فيما يواجه أقرباؤهم الذين يُحقَّق معهم، تهم التستر على مجرمين هاربين من العدالة.
وكانت وزارة الداخلية قد حاولت ادعاء وجود مشادة بين ريجيني وأحد الشباب بالقرب من القنصلية الإيطالية قبل اختفائه، وذلك عبر شهادة مهندس ادعى أنه شاهد عيان، ثم تبين من تحقيقات النيابة أنه مدع وغير صادق. وتبين أيضاً من تتبع الهاتف الخاص به أن التوقيت الذي ادعى فيه مشاهدته المشاجرة أظهر أنه لم يكن أصلاً هناك.
وتثير الطريقة التي قتل بها المتهمون في القضية تساؤلات عن استخدام الشرطة القوة المفرطة في التعامل معهم وتعمد تصفيتهم وليس القبض عليهم وإحالتهم على التحقيق. وقيل إنه عثر بحوزتهم على بندقية وطبنجة فقط، ما يعني أن جميع المتهمين لم يكونوا مسلحين، وأن ادعاء مبادلتهم إطلاق الرصاص لقوات الأمن كان يمكن التعامل معه دون قتلهم جميعاً على الأقل، وهو ما يظهر في عدم إصابة أيٍّ من جنود الحملة الأمنية التي عملت على تصفيتهم.
كذلك تحمل رواية «الداخلية» تساؤلات عن أسباب احتفاظ المتهمين المقتولين بالمتعلقات الشخصية للشاب الإيطالي، وهو التشكيك الذي جاء متزامنا مع نفي شقيقة أحد المتهمين وزوجته علاقاتهم بالقضية، وتأكيدهن النشاط الإجرامي للضحايا بالسرقة والسطو المسلح، الأمر الذي يطرح استفهاماً عن استخدام الوزارة للمتهمين ككبش فداء تحت ضغوط الجانب الإيطالي بضرورة الوصول إلى المتهمين بالواقعة.