لم تمضِ أيام على «العملية السرية» لنقل من وصفوا بأنهم «آخر يهود اليمن» إلى إسرائيل، حتى انبرت وسائل الإعلام العبرية لفتح ملفات ذات صلة بيهود الأقطار العربية. مثلاً، ادعى محلل الشؤون العربية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أدي كوهين، أن انهيار الحكومة المركزية في صنعاء «سبّب فقدان يهود اليمن أمنهم الشخصي، وفي النتيجة هربهم إلى إسرائيل». وقال كوهين: «هو الأمر نفسه الذي حدث ليهود الدول العربية إبان إعلان قيام إسرائيل عام 1948»، نافياً ضلوع «الوكالة اليهودية» المباشر ومعها بريطانيا، التي تكفلت بنقلهم عبر طائراتها إلى إسرائيل في عمليات خاصة وسريّة. ووفق مزاعم هذا المحلل، فإن اليهود «تعرضوا لنكبة في الدول العربية»، إضافة إلى أن «قصصهم المؤلمة نسيها التاريخ، ولم تروَ كما رويت نكبة الفلسطينيين»!
مصادر أكدت أن نسخة التوراة اليمنية سرقتها المخابرات الإسرائيلية

التضخيم الإعلامي «لمأساة» اليهود العرب لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتد إلى الاستطراد بتناول «قانون مصري» إبان الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. يقول كوهين إن «الحكومة المصرية صادرت مئات الشركات التجارية والبيوت من اليهود المصريين وألقت عدداً كبيراً منهم فى السجون بتهمة تأييد الصهيونية»، إضافة إلى «ترحيل عدد كبير منهم بالملابس التي كانوا يرتدونها على أجسادهم فقط، بعدما أُجبروا على التوقيع على عدم ملكيتهم لأي عقارات في مصر».
بالنسبة إلى إسرائيل، الغاية التي تخفِق القوة في تحقيقها تمر من عقدة «المظلومية»، وهو ما انتهجته سابقاً حيال «المحرقة»، فألمانيا مثلاً لا تزال تدفع فاتورة التعويض للإسرائيليين حتى هذا اليوم. وفيما يفتح هذا الملف على مصراعيه، فإن عائلات يهودية يمنية قدمت شهادات حول ما تعرضت له من إهمال طبي ونقص الطعام في معسكرات «الهجرة اليهودية»، وهو ما يفسر بقاء عدد لا بأس به منهم في اليمن، رافضين «الهجرة» إلى إسرائيل، حتى عودة العمليات السريّة للوكالة في التسعينيات!
أما كوهين، الذي غفل عما ارتكبته «الوكالة» بحق اليهود العرب، خصوصاً اليمنيين، كخطف أطفالهم لبيعهم في سوق العائلات الأشكنازية المسيطرة في إسرائيل، فإنه يروي أنه على مر السنين، «كثّف النظام في مصر مضايقة اليهود ومؤسساتهم وحركاتهم الشبابية»، و«طُرد عشرات آلاف من اليهود المصريين، بعدما خُتم على جوازات سفرهم ذهاب بلا عودة». أمّا يهود العراق، فلا تختلف قصتهم عن قصة اليهود المصريين. هؤلاء أيضاً بالنسبة إلى كوهين «تعرضوا لانتهاكات عبر تشريعات عنصرية، أجبرتهم على التخلي عن ممتلكاتهم»، وفي المحصّلة «ترك العراق، والتعهد بعدم العودة إليه مرة أخرى».
ليس بعيداً عن ذلك. فجأة ظهر ملف 150 ألف كردي يهودي في إسرائيل على لائحة موقع «المصدر»، الذي يتلقى تمويله من «الشاباك». هؤلاء لا يزالون يحافظون كما يقول الموقع على «ثقافة الطائفة المعزولة بين الجبال». ووفق الصحافي يوئاف شاحم، فإنه في خلال عملية «عزرا ونحميا» عام 1952، «هاجر 125 ألف يهودي من العراق إلى إسرائيل، ومعهم جميع يهود كردستان العراقية»، كذلك «هاجر في أعقابهم أيضاً كثيرون من يهود كردستان الإيرانيين، بل الكثير من أكراد تركيا». لكن هؤلاء لم يندمجوا فعلاً في النسيج الإسرائيلي الهشّ أساساً، والدليل أنه بعد مرور عقود من الزمن لا تزال «الجالية الكردية» متشبثةً بإرثها الثقافي، وتحتفل بـ«السهرنا» الموازي لعيد «النوروز» الإيراني، وتعد «ورق العنب» و«الكبة» التي دأبت على أكلها في موطنها الأصلي.
«الطبخة» التي تُعد على نار هادئة، طاولت أيضاً حذف ملف «المتورّطون في خطف أطفال اليمن» عن موقع «أطباء لحقوق الإنسان في إسرائيل». وكان الموقع قد نشر أخيراً ملفاً عن المتورّطين في القضية، قال فيه إنه «في خلال سنوات عدّة، تجمّعت إفادات وشهادات عديدة حول خطف أطفال ورضّع من أبناء المهاجرين اليمنيين (واحد من كل ثمانية أطفال)، دون دليلٍ أو إشارةٍ إلى مصيرهم». وقالت السلطات الإسرائيلية لذوي الأطفال المفقودين، إن «الأبناء قد ماتوا»، واتضح في ما بعد، أنّ الأطفال قد نُقلوا للتبنّي لدى عائلات أشكنازية، أو حُوِّلوا إلى مؤسسات رعاية.
ونقل ذلك الموقع أن «تشابه الإفادات والشهادات المتعددة، دّل على نهج متكرر كان يُطلب فيه من العائلة اليمنية الموجودة في تجمّع المهاجرين إخراج أطفالها من الخيم إلى حضانات للحفاظ على صحتهم»، وأحيانًا قيل للأهل إن «الأطفال مرضى وبحاجة لنقلهم إلى المستشفى». وبرغم أنه سُمح للأهل بزيارة أطفالهم في حضانات الأطفال، وطُلب من بعض الأمهات إرضاع أبنائهن، فإنه فور وصولهم إلى دور الحضانة، كانوا يتلقون خبر وفاة الطفل «بعد تدهور حالته الصحيّة». واللافت أنه في جميع الحالات لم تسلَّم جثث الأطفال، ولاحقاً اكتشف بعض الأهالي ظهور أبنائهم فجأة، وفي حالات أخرى، وُجد أطفالٌ منهم بعد سنوات عدة من إعلان وفاتهم، بكامل صحّتهم لدى عائلات أخرى.
نقلت «الجزيرة» ترجمة غير صحيحة عن تورّط الحوثيين بنقل اليهود

هذه القضيّة الشائكة والخطيرة عادت مجدداً إلى العناوين بعدما وصلت أوامر تجنيد للخدمة العسكريّة لعائلات هؤلاء الأطفال، برغم إبلاغهم سابقاً بالوفاة! لكن القضية لم تنتهِ بكشف عوزي موشلام (يهودي يمني) عنها تحت قوة السلاح. فقد طُمست القضية تحت إرادة السلطات الإسرائيلية بادعاء غياب وجود أدلّة أو ذراع موجهة. لكن المشكلة الكبرى أن قناة «الجزيرة» القطرية لم تغرد خارج السرب العبري، بل أكثر من ذلك، فهي اتهمت الحوثيين بأنهم تلقوا رشوة من المخابرات الإسرائيلية للسماح ليهود اليمن بالخروج من موطنهم الأصلي، ناسبةً ادعاءها هذا إلى صحيفة «يديعوت أحرونوت»! مع أن الأخيرة نقلت عن الحاخام اليمني يحيى زنداني (من الدفعة التي وصلت تل أبيب أخيراً)، قوله إن «الحوثيين أخّروا الصفقة ولم يكونوا ليسمحوا لنا بالخروج»، وأنه في السنوات الأخيرة قطعوا عنهم الماء والكهرباء، فارضين عليهم الإسلام، الأمر الذي اضطرهم إلى الاتصال بإسرائيل للعمل على نقلهم، كما قال، علماً بأن زنداني نفسه ظهر في وثائقي مصور نشر على «يوتيوب» يحكي فيه عن حبه اليمن، وعن علاقته بجيرانه المسلمين الذين عاش في كنفهم في إطار معاملة الإسلام لأهل الذمة.
في هذا الصدد، كشف مصدر خاص (في الأراضي المحتلة عام 1948) لـ«الأخبار» عن أن نسخة التوراة التي حملها زنداني معه، وقيل إنها تعود إلى 800 عام خلت، سرقتها المخابرات الإسرائيلية. وأضاف المصدر أن يهودياً ممن رفضوا السفر إلى إسرائيل ضمن العملية السرية، اعتقل في اليمن على خلفية سرقة هذا الإرث الديني الذي يُعَدّ وفق المواثيق الدولية ملك الدولة اليمنية وليس ملك العائلة اليهودية من دون ذكر مزيد من التفاصيل، لكون الرقابة العسكرية الإسرائيلية تفرض «حظر نشر» على الموضوع.
أمّا صحيفة «هآرتس»، وفي توقيت لافت سبق وصول الدفعة الأخيرة من يهود اليمن بيومين، فتناولت الاكتشاف «المربك» لبعثة فرنسة ــ سعودية كانت تنقب عن الآثار في بئر حما شمالي نجران، عام 2014. ووفق الصحيفة، دلت الآثار المكتشفة على وجود «مملكة حمير» اليهودية في شبه الجزيرة العربية، إضافة إلى أن «القرآن كتب بعيداً عن مهد الإسلام والرسول محمد، وأن الجاهلية التي سبقت الإسلام لم تكن سياقاً تاريخياً بقدر ما هي ميتافورا (استعارة أدبية) لتوحيد العرب تحت راية الديانة الجديدة»، وفق ادعاء الصحيفة. الاكتشاف الأثري، الذي أعادته الصحيفة إلى الواجهة بعد غياب لعامين، تقاطع مع التسمية التي أطلقتها المخابرات الإسرائيلية على عمليتها السرية (مكتسي تيمان، بالعبرية)، التي تعني «من أقصى اليمن»، ابتداءً من باب المندب، أي المكان الذي تشير التوراة إليه باعتباره المملكة اليهودية التي كانت في اليمن، وشبه الجزيرة العربية.