بين إعلان الحكومة العراقية أنّ العراق «سيكون أقل الدول تضرراً إذا أغلقت إيران مضيق هرمز» من جهة، والحقائق والإحصائيات التي يعلنها الخبراء والمؤسسات المستقلة التي تؤكد أن العراق سيخسر ثلثَي عائداته المالية، التي يمثّل النفط أكثر من 95 في المئة منها من جهة ثانية، بون شاسع. فقد رأى مراقبون أن هذا النوع من التطمينات الحكومية المتفائلة في بغداد، مجرّد تكرار للطريقة التقليدية التي تتعامل بها الحكومات الشمولية والدكتاتورية العادية على قاعدة أن «الأمور على خير ما يرام»، أو أنها، وفق القول العراقي الشعبي، «عال العال»، حتى لو كانت «القيامة قائمة».
وبالفعل، حاول المتحدث باسم وزارة النفط العراقية، عاصم جهاد، تبرير تفاؤله الحكومي وفق المعادلة التالية: في الوقت الذي لا تمتلك فيه دول المنطقة الأخرى منافذ بديلة، فإن العراق يمتلك منفذاً بديلاً، وهو المنفذ الشمالي بمعدلات تصديرية تقارب 450 ألف برميل من النفط يومياً، على حد تعبير جهاد. في المقابل، خلص مصدر آخر في الوزارة، هو مدير العقود والتراخيص، عبد المهدي العميدي، إلى أن «يبيع السمك في الماء» للرأي العام، فذكّر بأن وزارته «عازمة على إنشاء أنبوب بطول 1800 كيلومتر لنقل النفط العراقي من البصرة إلى ميناء بانياس السوري، بطاقة مليونين ونصف مليون برميل يومياً». ومن المعروف أنّ هذا المشروع الواعد، الذي يمكن أن يُغْني العراق عن أي خطوط تصديرية أخرى، ظل حبراً على ورق طوال نصف قرن تقريباً، ولم يجرؤ أحد منذ حكم الرئيس الأسبق الراحل أحمد حسن البكر، مروراً بصدام حسين، على تنفيذه. والخشية هنا، بحسب بعض المهتمين، تكمن في إغضاب تركيا، التي ستفقد جزءاً مهماً من العائدات النفطية التي تحصل عليها من جراء مرور أنابيب النفط العراقية الرابطة بين كركوك وميناء جيهان على البحر المتوسط، فتعاقب العراق بقطع المزيد من مياه الرافدين عنه، رغم أن هذين النهرين دخلا مرحلة «الاحتضار». مراقبون آخرون يعيدون عدم تنفيذ المشروع إلى الخلافات والأزمات العديدة التي حكمت العلاقة بين نظامَي حزب البعث في العراق وسوريا، وانعكست على شتى القضايا البينية. محلّلون وخبراء في الشأن النفطي علّقوا على تصريحات العميدي قائلين «حتى إذا صدّقوا عزم وزارته على تنفيذ هذا المشروع وشُرِعَ فعلاً بتنفيذه، فإنه لن يكون حلاً فعلياً بديلاً (عن هرمز) إلا بعد بضع سنوات». غير أنّ المصدر الوزاري الأول، أي عاصم جهاد، «حَسَبَها» بطريقة مختلفة، ربما ظنها أكثر مردودية عندما قال إن «التوقعات تشير إلى أنّ عملية إغلاق هرمز ستؤدي إلى رفع أسعار النفط إلى أضعاف أسعاره الحالية، وبالتالي سيعوّض العراق خسائره من خلال ارتفاع الأسعار».
النائبة نجيبة نجيب، عضو اللجنة المالية في البرلمان، أوضحت قبل أيام أنّ «نحو ثلثَي واردات العراق المالية من تصدير النفط مهددة بسبب تحذيرات إيران بإغلاق مضيق هرمز». وأثبتت نجيب بالأرقام أنّ «العراق يعتمد في وارداته المالية على تصدير النفط على نحو شبه مطلق، وهو يصدّر حالياً مليونين و600 ألف برميل يومياً، يمر نحو 60 في المئة منها عبر مضيق هرمز». إذاً، فالعراق سيخسر ثلثَي عائداته النفطية لا الثلث كما تقول الحكومة، وبعض الخبراء وكتاب الإنترنت المؤيدين لها، كالكاتب حمزة الجواهري، الذي دوّن قبل أيام ما مفاده أنه «في حال إصرار إيران على إغلاق مضيق هرمز، فإنّ ذلك سيؤدي إلى مشاكل كبيرة للاقتصاد العراقي، لكونه يعتمد بنسبة 92 في المئة على إيرادات النفط، ما سينعكس سلباً عليه، علماً أنّ باستطاعة العراق أن يصدر 650 ألف برميل عبر أنبوب جيهان التركي، لكن رغم ذلك، سيخسر ثلث عائداته المالية لكونه معتمداً اعتماداً أساسياً على الأنبوب النفطي الجنوبي». وحتى إذا أخذنا برقم الجواهري، لا برقم وزارة النفط، وهو بحدود 450 ألف برميل، فلن يكون ممكناً اعتبار هذه الـ 650 ألفاً، الثلثين، من إجمالي الكميات المصدرة والبالغة مليونين و600 ألف. خبير نفطي عراقي آخر هو حسين علاوي، قدّم أرقاماً قريبة من تلك التي قدمتها النائبة نجيب، وأشار إلى أن قدرة إيران على إغلاق المضيق لن تتجاوز أكثر من 30 يوماً. بمعنى أنّ الأزمة لن تدوم أكثر من ذلك، لكن، يتساءل مراقبون مستقلون، ما الضامن بألا تسوء الأوضاع أكثر وتتحول إلى حرب تدمير شامل؟
لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي اجتمعت أخيراً، وخرجت برؤية وقرارات مكررة، منها أن «الموازنة العامة للبلاد المعتمدة على النفط، ستتأثر بإغلاق المضيق المفضي لخفض الصادرات»، لذلك طالبت السلطات التنفيذية بضرورة توسيع التصدير عبر ميناء جيهان التركي، وإعادة تشغيل الأنابيب مع كل من السعودية وسوريا والأردن، إلى جانب تحرك وزارة الخارجية العراقية لإقناع طهران بعدولها عن التفكير في قرار كهذا».
وبخصوص الدعوة إلى توسيع التصدير عبر خط «كركوك ــ جيهان»، فهي محكومة بالقدرات الفنية المحدودة للأنابيب ذاتها، وقد يبالغ البعض ممن يطالب بزيادة قدرتها إلى مليون برميل يومياً. أما بخصوص الدعوة إلى «إعادة تفعيل» الأنابيب النفطية العراقية المارة في الأراضي السعودية، التي تصل طاقتها الاستيعابية إلى مليون و800 ألف برميل، والتي كان العراق يصدّر عن طريقها نفطه حتى حرب الخليج الثانية، فقد أُجهضت هذه الفكرة تماماً بقرار سعودي مفاجئ، إذ قرّرت المملكة مصادرة هذه الشبكة من الأنابيب العراقية، وأصبحت بالتالي ملكاً للدولة. غير أن هذا القرار السعودي لم يدفع الحكومة العراقية إلى القيام بأي إجراء أو رد فعل حتى من باب رفع العتب، أو العلم بالشيء، رغم عدم صدور تكذيب سعودي رسمي لتلك الأنباء. وقد رجّحت مصادر نفطية متخصصة أن تقوم السعودية بتحوير هذه الأنابيب العراقية التي تنتهي عند البحر الأحمر فنياً لتستعملها هي في نقل نفطها من المناطق الشرقية في المملكة إذا أُغلق مضيق هرمز.



لا سكَّر ولا أرزّ


لمعرفة الحجم الحقيقي للكارثة المتوقعة على العراق إذا أُغلق مضيق هرمز، وبالتالي فقد العراق ثلثَي عائداته المالية، يقدّم الخبراء أرقاماً تثير الرعب؛ فالموازنة العراقية المقترحة للعام الجاري 2012، التي تعتمد على العائدات النفطية اعتماداً شبه كامل، يذهب منها 68 في المئة منها كموازنة تشغيلية، ومعظمها كرواتب لجيش هائل من الموظفين الحكوميين يقترب من ثلاثة ملايين موظف يعيلون العدد نفسه من الأسر. وإذا قدّرنا متوسط عدد أفراد الأسرة العراقية بخمسة، فإن العديد السكاني المعتمد على العائدات النفطية يناهز الـ 15 مليوناً. وحين تضاف إلى هذه الملايين، ملايين أخرى من غير الموظفين والمهمّشين والعاطلين من العمل تحت خط الفقر، فإن الغالبية الساحقة من المجتمع العراقي ستكون مُهَدّدة فعلياً بالكارثة الاقتصادية المحتملة. ورأى محللون أن الكلام عن مجاعة وكارثة اقتصادية ليس فيه من المبالغة الشيء الكثير، بدليل قول الخبير صادق الركابي، مدير «المركز العالمي للدراسات التنموية» في لندن، «لن نأتي بجديد حين نقول إن اعتزام إيران أو تلويحَها بإغلاق مضيق هرمز سيمثّل كارثة لن يُستثنى أحد من أضرارها التي تبدأ بالنفط وتصل إلى ارتفاع معدلات البطالة، مروراً بفقدان السكر والأرز».