تونس | تشهد مسيرة توحيد المغرب الكبير (تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا وموريتانيا) تعثراً بدأت إرهاصاته الأولى تظهر بعد أشهر قليلة من تأسيس اتحاد الدول المغاربية يوم 17 شباط 1987 . إلا أن النقابيين في تونس، واصلوا، برفقة إخوانهم في بقية الدول، تحقيق نجاح هذه المسيرة، ولو من الناحية النقابية، وهم يناضلون إلى اليوم لتجسيد هذه الوحدة، لإيمانهم بإمكان تحققها، على خلاف الحكومات التي لم تسهم إلا في مزيد من رسم الحدود بين الأشقاء، وحصر الوحدة المغاربية في خطاب رسمي مفرط في الدبلوماسية.
في هذا الصدد، عمل النقابيون في تونس، إلى جانب الحقوقيين والجمعيات النسوية المستقلة، على تذليل الصعوبات التي من شأنها عرقلة اللقاءات المغاربية، وترتيب البيت النقابي بين كافة ممثلي المنظمات النقابية في الدول المغاربية، الأمر الذي مهّد لصياغة ميثاق اجتماعي مغاربي موحد وبلورة مرجعية نقابية مغاربية مشتركة أسهمت في توحيد المواقف في المؤتمرات واللقاءات الدولية والتعامل كقطب مغاربي، وخاصة أمام النقابات الأوروبية والأميركية.
إن دور الاتحاد العام التونسي للشغل في إنجاح مسار الوحدة والاندماج المغاربي يعود إلى فترة الأربعينيات من القرن الماضي، حيث دعا الزعيم فرحات حشاد مؤسس الاتحاد، أول منظمة نقابية في المغرب الكبير وفي الوطن العربي عموماً، إلى توحيد نقابات شمال أفريقيا لتعزيز الكفاح التحرري ضد المستعمر الفرنسي والإسباني والإيطالي، وقد تجسدت دعوة فرحات حشاد ورواد الحركة النقابية التونسية في ما يعرف بميثاق طنجة، الذي مهّد لتأسيس الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي، والذي مقره الآن في تونس.
هذا الاتحاد المغاربي كان له دور كبير في مسيرة الانعتاق من المستعمر بتوحيد صفوف المقاومة على الحدود بين الدول (وخاصة بين تونس والجزائر وليبيا). ثم كان له دور مهم في بناء الدولة الحديثة وتركيز أسسها، وهو يواصل اليوم نضالاته من أجل الحريات العامة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، وخاصة أن كلفة «اللامغرب» باتت تثقل كاهل شعوب المنطقة.
كذلك كان الاتحاد العام التونسي للشغل، إلى جانب الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات والجمعية التونسية للبحث والتنمية حول المرأة والفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية ورابطة كتاب تونس الأحرار وجمعية «راد ـ أتاك» المناهضة للعولمة والاتحاد العام لطلبة تونس وجمعية العاطلين من العمل، الفدرالية الدولية من أجل المواطنة بين الضفتين واتحاد العمال التونسيين المهاجرين بباريس، من أول الداعين إلى تأسيس منتدى اجتماعي مغاربي مع بقية مكونات المجتمع المدني المغاربي المستقل.
ورغم الحواجز التي رفعتها الأنظمة والحكومات في وجه نشطاء المجتمع النقابي والمدني والحقوقي، فإنهم نجحوا في عقد المنتدى الاجتماعي المغاربي حيث توحدت سهام النقد ضد العولمة النيوليبرالية.
واشتغل المشاركون ضمن ورشات المنتدى في مختلف دوراته على سبل إيجاد الحلول التنموية التي تحدّ من نزف البطالة والفقر والمديونية في المنطقة المغاربية.
كذلك اشتغلت المنظمات والجمعيات التونسية المستقلة النقابية والحقوقية والنسوية، في إطار هذا المنتدى وفي ندوات ولقاءات أخرى، على مسألة الهجرة السرية في المنطقة المتوسطية، بين دول الشمال ودول الجنوب، مؤكدة ضرورة احترام حقوق المهاجرين والعمل على دمجهم في النسيج الاقتصادي والاجتماعي للدول المستقبلة لهم.
ولم يكن نضال النقابيين والحقوقيين التونسيين، من أجل توحيد المنطقة المغاربية، بمعزل عن المسار الثوري الذي تعيشه بعض دول المنطقة المغاربية (تونس وليبيا تحديداً) .
وأكدت أغلب البيانات التي أصدرتها مختلف المنظمات والجمعيات المستقلة منذ اندلاع شرارة الثورة التونسية وطوال فترة الثورة الليبية مبدأ تلازم مطالب الحرية والديموقراطية بالعدالة الاجتماعية بين الجهات والدول المغاربية. وأضافت أن مكاسب الثورة (في تونس وليبيا) لا تكتمل مع استمرار ظواهر الفقر وتعميق الفوارق وحرمان الشباب الحق في الشغل.



غير أن هذا الزخم النضالي التونسي من أجل توحيد المنطقة المغاربية، إلى جانب كل أشكال الصد والمنع والتعطيل التي مارسها نظام بن علي لإخماده في السابق، تجد اليوم هذه المنظمات والجمعيات نفسها في مواجهة أولوية «قطرية» تحتم عليها النضال من أجل الحفاظ على مكتسبات الدولة المدنية الحديثة التي باتت مهددة بأخطار التشدد الديني تماماً مثلها مثل ليبيا والمغرب، وهذا التشابه في المصير سيكون رافداً جديداً لتعزيز العمل المشترك لتحقيق وحدة الشعوب المغاربية.