مع نهاية الشهر الماضي، كان السعوديون على موعد مع تحذير أطلقه المفتي العام عبد العزيز آل الشيخ من موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، داعياً المسلمين إلى الترفّع عنه. ساغ المفتي مبررات تحذيره، مشيراً إلى أن «تويتر» فيه «ترويج لأكاذيب باطلة، وفيه من يصدر فتاوى من دون علم، وغير مدعَّمة بالدليل، وأنه يحوي طعناً بشخصيات دينية واجتماعية». إلا أن هذه المبررات لم تقنع الكثيرين ودفعتهم إلى التساؤل عن السبب الحقيقي الذي دعا المفتي السعودي إلى إطلاق تحذيره من «تويتر» دون غيره من المواقع أو المنتديات التي يقبل عليها السعوديون بكثرة.


فما الذي يجري على صفحات موقع التواصل الاجتماعي، الذي تشير الإحصاءات إلى أن المواطنين السعوديين يحتلون عربياً المرتبة الأولى في استخدامه؟ بقليل من التدقيق، يتبين أن بالفعل ثمة ما هو غير اعتيادي يدور في «تويتر». صاحب حساب يدعى «مجتهد»، يقوم بنحو متواصل منذ شهر تشرين الثاني بتغريدات حول أبرز أمراء الأسرة الحاكمة، يكشف فيها بعضاً من فسادهم وفضائحهم المالية، إلى جانب إسرافهم في الحياة الخاصة على حساب خزينة الدولة.
قائمة الذين استهدفتهم تغريدات «مجتهد» حتى اللحظة شملت كلاً من الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وعدد من أبنائه، رئيس الديوان الملكي خالد التويجري، ولي العهد السعودي نايف بن عبد العزيز، الذي أفاد «مجتهد» عن قيامه قبل فترة وجيزة بعملية قسطرة، ونجله الأمير سعود الذي يشغل حالياً منصب رئيس ديوان والده. كذلك ضمت لائحة المستهدفين وزير الدفاع سلمان بن عبد العزيز، نائب وزير الدفاع خالد بن سلطان، الأمير طلال بن عبد العزيز، رئيس نادي الهلال السعودي عبد الرحمن بن مساعد، الأمير نايف بن ممدوح، والرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبد اللطيف آل الشيخ.
إلا أن النصيب الأكبر من التغريدات نالها النجل الأصغر للملك السعودي السابق فهد، عبد العزيز ، أو «عزوز» كما يلقبه «مجتهد» في تغريداته، التي اختار من خلالها إمرار معلوماته على هيئة تساؤلات. تغريدات تبدأ بالتكلفة الخيالية للقصور التي يمتلكها عبد العزيز بن فهد في المملكة من قبيل تساؤله: «هل صحيح أن قصرك في الرياض بجانب قصر اليمامة يفوق سكن الملك مساحةً وكلف الدولة نحو 12 مليار ريال لأنه يتكون من عدة قصور؟ وهل صحيح أن مساحته مليونا متر مربع، وبدأ (البناء فيه) من عام 1994 واستمر العمل فيه حتى 2003، وأن التكلفة الحقيقية 3 مليارات والباقي (9 مليارات) بينك وبين الحريري». أما الأبرز، فكان السؤال الذي وجهه «مجتهد» إلى «عزوز»، قائلاً: «هل استقلت أم أُقلت من رئاسة ديوان مجلس الوزراء؟»، قبل أن يقدم «مجتهد» جانباً من معلوماته عن تفاصيل إقصاء عبد العزبز بن فهد من منصبه. وفي التفاصيل أنه «بعد أن كسب التويجري (أبناء الملك) الثلاثة (متعب وخالد وعبد العزيز) قاموا بخداع نجل الملك فهد، بإرسال رسالة إليه، أقنعوه فيها بأن أمر طرده من رئاسة ديوان مجلس الوزراء جاهز، وإن رغب في حفظ ماء الوجه، فعليه أن يبادر بطلب إعفائه، ثم رتبوا له لقاءً مع أحد أعمامه، ونسّقوا معه من دون علم الملك، فأكد له كلامهم، فاضطر عبد العزيز بن فهد إلى قبول فكرة أنه أُعفي بناءً على طلبه». أما ردّ عبد العزيز بن فهد على ما ذكره «مجتهد» طوال الأسابيع الماضية، فكان التالي: «هذا المجتهد أمس ثبت لديّ من هو، أجير سيصلى ناراً إن لم يتب. فقد جاء بالبهتان، وأرجو أن نتباهل إلى الله، وأنا حاضر وإن لعنة الله على الكاذبين»، قبل أن يتراجع نجل الملك الراحل فهد عن المباهلة، وهي «صيغة مفتوحة بأي عبارة تعني جزم كل طرف بما يقول وأنه يتحمل مسؤولية الكذب أمام الله».
وعلى هذا المنوال، لم يوفر «مجتهد» الأمير طلال بن عبد العزيز، قائلاً له: «هل تنفي أن مجموع الأراضي التي تمتلكها في داخل البلد عشرات الملايين من الأمتار، وكثير منها داخل المدن الكبرى؟»، قبل أن يضطر الأخير إلى الرد أيضاً عبر «تويتر» قائلاً: «أنا لا أملك من الأراضي في بلادي إلا ما لا يتجاوز أربعين ألف متر، وهي أرض منزلي وما حولها من بعض القطع الصغيرة»، ملوّحاً بإمكان كشف ما لديه من أوراق بحق أفراد من العائلة الحاكمة بقوله: «إن واحداً من المالكين للمساحات الشاسعة من الأراضي يمتلك ما يُقارب خمسمئة مليون متر مربع!!... هذا معروف عند الجميع».
أما خالد التويجري، الذي تناط به مجموعة من أبرز الوظائف في المملكة، أبرزها رئاسته للديوان الملكي (بعد دمجه مع ديوان رئاسة الوزراء)، فضلاً عن أنه السكرتير الخاص للملك السعودي والمشرف العام على الحرس الملكي، فاختصر «مجتهد» ما وصل إليه التويجري من نفوذ في السنوات الأخيرة من خلال روايته لإحدى القصص التي جرت، وفيها أن الأمير «مشعل (بن عبد العزيز) جاء يسلم على الملك عبد الله، فسأله عن أخبار جلالة الملك خالد، فرد عليه الملك (عبد الله) خالد مات الله يرحمه، قبل أن يرد مشعل قائلاً: لا أعني خالد بن عبد العزيز، أعني جلالة الملك خالد التويجري، صاير ملك لا يرد علينا ولا يعطينا وجه وسلطته فوق الجميع». حينها، وفقاً لرواية «مجتهد»، اضطر الملك إلى إرضاء الأمير مشعل «كلامياً بعبارات جميلة، وأرضاه عملياً بصفقة الجزء الثاني من قطار الحرمين وقيمتها 30 مليار ريال، التي فازت بها شركة الشعلة التابعة له».
ولم يغب عن «مجتهد» الحديث عن تفاصيل فساد نائب وزير الدفاع الحالي، خالد بن سلطان، وتحديداً في صفقات الأسلحة وكيفية تضخيم قيمتها الحقيقية، بما في ذلك الصفقة الأخيرة مع الولايات المتحدة، فضلاً عن التلاعب في أسعار أسهم بعض الشركات.
وعلى هذا المنوال، نجح «مجتهد» في هذه الفترة الوجيزة في استقطاب قرابة ٢٠٠ ألف متابع على الموقع، مسبباً حالة استنفار غير معلنة داخل الأسرة الحاكمة، في محاولة لكشف هويته على أمل وضع حد لتغريداته، وخصوصاً أن متابعيه باتوا يترقبونه للاطلاع على أحدث التفاصيل عن خفايا ما يجري خلف أسوار القصور المغلقة لأمراء المملكة أو في شركاتهم وحتى أسفارهم.
أما عن المقبل من الأيام، فيؤكد «مجتهد»، الذي كان لـ«الأخبار» تواصل معه عبر البريد الإلكتروني، أنه سيحمل المزيد من المفاجآت؛ لأن العمل لن يقتصر على مجرد نشر التغريدات. وفيما يصر «مجتهد» على عدم الخوض في تفاصيل هويته الحقيقية بسبب «الاحتياطات الأمنية»، يكتفي بالقول إنه «يمكن أي شخص أن يضع نظريته»، وذلك رداً على ما يتردد في الأوساط السعودية بأنه «إما أحد أفراد العائلة الحاكمة» أو أنه «شخص كان حتى وقت قريب مقرب من دوائر صنع القرار»، نظراً إلى دقة المعلومات التي يتولى الكشف عنها.
في المقابل، يؤكد «مجتهد» أن مصدر المعلومات التي يقدمها «عدة جهات داخل العائلة الحاكمة، بينهم أمراء، وبينهم من يعملون في أماكن حساسة»، في حين أن «بعض هذه التفاصيل من عندي».
أما عن المصلحة من وراء تزويده دون غيره بهذه المعلومات، فيشير إلى أكثر من سبب، ويربطه بالجهة التي تتولى تسريب المعلومات. فوفقاً لـ«مجتهد»، لا يمكن الحديث في داخل العائلة الحاكمة عن تيار إصلاحي، فهناك «أفراد قليلون جداً من العائلة متعاطفون مع الإصلاح. وهؤلاء القلة ليس لهم أي نفوذ. كل ما لديهم هو معلومات» يتولون تسريبها، وفي ذلك دلالة على أن التململ داخل العائلة الحاكمة قد بلغ ذروته إلى درجة لم يعد فيها بعض الأمراء يخشون التصويب على أفراد آخرين من العائلة.
أما «الآخرون» الذين يتولون تزويده بالمعلومات، فلديهم ـــــ وفقاً لـ«مجتهد» ـــــ «اقتناع بضرورة كشف الفساد وفضح الفاسدين في جزء من مشروع توعية يُسهم في تعجيل التغيير السياسي»، فيما يبرر اختياره دون غيره لتسريب هذه المعلومات بالقول إن «معرفتي بهذه المجموعة قديمة بسبب موقعي ونشاطي وعملي على مدى سنوات». أما السبب الثاني «فلأني أقدر منهم على الكتابة والتعبير ومواجهة الجمهور».
في المقابل، يرفض مجتهد الحديث عن أنه أدخل نفسه في عملية تصفية حسابات بين أمراء آل سعود، لافتاً إلى أنه «لو كان الكلام مركزاً على أمير واحد لربما كان هذا هو التفسير، لكن كون الملفات المفتوحة قد استهدفت كل الأجنحة، هذا يبعد هذه الافتراضية». كذلك ينفي أن يكون حديثه عن تريثه بكشف بعض الحقائق نظراً إلى وجود عهود ملتزم بها ينطوي على مراعاة مصالح أفراد في العائلة الحاكمة، لافتاً إلى أن الأمر لا يعدو كونه «حفظ العهود». وأضاف: «العهد أمانة، وإذا أسرّ لك شخص بمعلومة وطلب منك عدم إخراجها ثم أخرجتها فأنت خائن». ويضيف: «أنا أستغل علاقاتي لتحقيق هدفي بتوعية الشعب بحجم الفساد الهائل، وأوجه المعلومات لتحقيق هذا الهدف ولا يستطيع أحد أن يستغلني مهما حاول». كذلك يشدد «مجتهد» على أن «القضية ليست فقط معرفة بالتعبير والصياغة والحذر الأمني والخبرة الإلكترونية. القضية وضوح الهدف واستحضار هذا الهدف في كل تغريدة وكل قصة»، مشدداً على أن الهدف من تغريداته لن يتحقق «إلاّ بأن تتحول هذه التوعية إلى عمل وإلى نشاط يطالب فيه الشعب بمحاربة الفساد ويفرض مطلبه على أرض الواقع».
ويرفض «مجتهد» اعتبار أن هذا الهدف بعيد المنال، لافتاً إلى أنه «لو لم يكن الشعب مستعداً لتصديق مجتهد والتعاطف معه لما ارتفع عدد المتابعين لقرابة 200 ألف» في هذه الفترة الوجيزة.
(روابط التغريدات الخاصة بالأمراء
متوفرة على موقع الأخبار)




رسائل إلى الشعب


خمس رسائل اختار «مجتهد» قبل أيام إعادة تأكيد أهمية وصولها إلى الشعب السعودي بعد الصدى الذي لقيته تغريداته، ولكي لا يذهب ما كشف فيها أدراج الرياح. الرسالة الأولى أن يدركوا حجم الفساد الموجود في البلد، ويدركوا أنهم يعيشون في ظلام وتضليل، وأنهم مضحوك عليهم بجدارة. أما الرسالة الثانية، فأن يدركوا أن المال المسروق مالهم والأراضي المغتصبة أراضيهم والحقوق المنهوبة حقوقهم. فيما الرسالة الثالثة هي أن يدركوا أن الفساد المطلق وتضييع الحقوق سببهما السلطة المطلقة التي جعلت الشعب صفراً على الشمال. رابعاً، يطالب «مجتهد» السعوديين بأن يدركوا أن حل كل مشاكلهم لا يمكن أن يحصل من دون تحرك عملي، لا بالكتابات والخطابات. أما الرسالة الأخيرة فهي أن يتخلصوا من كل التخويفات التي يدعيها رجال المباحث وتشويه صورة دعاة الإصلاح.