القاهرة | أثار قرار مجلس الجامعة العربية، في اجتماع وزراء الخارجية يوم الأحد الماضي، الذي دعا مجلس الأمن إلى تأليف قوة عربية لحفظ السلام في سوريا، العديد من التساؤلات، وخصوصاً لجهة إمكان وضع هذه الخطوة موضع التنفيذ مع إعلان دمشق رفضها لها، في ظل طرح شكوك بشأن ما إذا كانت تلك الخطوة تمثل مقدمة لتدخل عسكري دولي في سوريا. وعلّق مدير «مركز الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية» في القاهرة، اللواء عادل سليمان، على القرار المذكور بالقول إنه «مجرد محاولة من الجامعة العربية لحفظ ماء الوجه».
وأوضح سليمان لـ «الأخبار» أن قوات حفظ السلام تكون عادةً بين قوتين متحاربتين، وتتدخل بينهما بعد وقف إطلاق النار، وتقيم منطقة عازلة بينهما، مستدركاً بأن هذا الوضع غير موجود في سوريا، لأن مظاهر التسلح والإقامة في سوريا متداخلة، ولا يمكن التفريق بين طرفين عسكريين للفصل بينهما. وأعرب عن اعتقاده بأن القرار ليس أكثر من كونه رسالة إلى النظام السوري، مفادها أن الجامعة العربية في هذه الظروف «لا يمكن أن تواصل صمتها إزاء ما يحدث، ويمكنها أن توافق على صورة من صور التدخل العسكري الأجنبي في الحالة السورية».
وأشار اللواء سليمان إلى أن مجرد دراسة القرار بشأن تأليف قوة حفظ سلام عربية ـــــ دولية سيكون صعباً، وخصوصاً في ظل الرفض السوري لهذه الفكرة، كما نوّه إلى أنه «من ضمن أهداف صياغة القرار على هذا النحو، رفْع الحرج عن روسيا والصين وإقناعهما بدراسة الموضوع بطريقة عملية، باعتبار أن هذا لا يمثل تدخلاً عسكرياً بقدر ما هو لحفظ السلام، ووقف اطلاق النار والعنف في سوريا».
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، الدكتور فخري الطهطاوي، فيرى أن تنفيذ القرار يعني الحرب، «وهذا ما تريده دمشق، وهذا ما تتنبّه له إسرائيل جيداً، وهي التي وصلت إليها تحذيرات وتوجيهات بامتصاص أي استفزازات سورية متوقعة لجرها إلى حرب معها، لأن الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لن يوحّد الداخل السوري فحسب، بل الخارج العربي والإسلامي أيضاً إلى جانب دمشق، وهو ما يدركه جيداً الوزراء العرب». ويلفت الطهطاوي، في حديث مع «الأخبار»، إلى أنّ نشر قوات عربية دولية في سوريا يطرح الكثير من التساؤلات، تحديداً أنه في ظل الأوضاع الحالية، «يكاد يستحيل أن ترسل مصر قوات إلى سوريا وكذلك العراق، فما هي الدول العربية التي سترسل جيوشها؟»، وإضافة إلى صعوبة إيجاد دولة يمكنها إرسال قوات إلى سوريا، يطرح الطهطاوي تساؤلات عن مناطق تمركز هذه القوات، إذا أُرسلت بالفعل، وعلى أي أساس، وما هي طبيعة عملها وتسليحها، وضمانات عدم دخول هذه القوات في اشتباكات، «وجميع هذه الأمور تستلزم موافقة دمشق على دخول هذه القوات إلى أراضيها».
في المقابل، يرى مساعد وزير الخارجية المصري السابق، مبعوث مصر إلى ليبيا خلال الثورة الليبية، السفير هاني خلاف، أن توصيف «قوة عربية أممية لحفظ السلام في سوريا، غير دقيق، لأنه عادةً ما يحصل إرسال قوة حفظ السلام بعد هدنة يجري الاتفاق عليها إثر صراع مسلح بين طرفين دوليَّيين، وهو ما يستدعي فرض منطقة حظر طيران، وإقامة منطقة منزوعة السلاح، وإنشاء ممرات آمنة لإيصال المعونة الإنسانية». وفي تصريحات لـ «الأخبار»، يشدد خلاف على أن التوصيف الصحيح لمثل هذه القوات هو «قوة لحفظ وتحقيق الاستقرار» على شاكلة تلك التي أُرسلت إلى كل من كوسوفو ورواندا، ويغلب على مكوّناتها العنصر المدني، الذي يعمل على توفير مستلزمات الإغاثة والمياه والكهرباء والعمليات الطبية، إضافةً إلى المكون العسكري لحفظ الاستقرار والأمن. ويلاحظ السفير خلاف أن ما يؤخَذ على قرار الجامعة العربية هو أنه لم يحدّد مهمة هذه القوات، لكون إطلاق النار لم يتوقف بعد، كما لم يوقَّع اتفاق بين الأطراف المتحاربة، وهو ما يستوجب بذل جهد سياسي لوقف إطلاق النار والعنف أولاً، ومن ثم إرسال هذه القوات لحفظ الاستقرار، على أن يغلب عليها الطابع المدني لا العسكري، وأن تكون تحت علم الأمم المتحدة، لا حلف شمال الأطلسي. ويحذر الدبلوماسي المصري من أن تدخل أيّ قوة في سوريا حالياً، من دون الاتفاق على وقف إطلاق النار والعنف، وبلا موافقة الحكومة السورية، يعني أن التدخل سيكون لصالح طرف ضد آخر، وهو ما يستلزم تجهيز هذه القوات عسكرياً لمواجهة الطرف الآخر، أي الجيش السوري، وهو ما يعني تدمير هذا الجيش «الذي يجري بناؤه وتجهيزه منذ زمن طويل، وهو ما يصب في صالح إسرائيل والمخططات الغربية في المقام الأول». وهنا، ينبّه خلاف من أن التدخل العسكري في سوريا «أمر بالغ الخطورة على الأوضاع في سوريا والمنطقة، بدليل أن التدخل في ليبيا دمّر البنية الأساسية والجيش الليبي، وأدى إلى مقتل عشرات الآلاف، حتى بعدما انتهت العمليات القتالية، لم يهتم أحد لا بالعملية السياسية ولا الأمنية، وتركّز الاهتمام الدولي على إعادة ضخ النفط وضمان انسيابه، فيما الوضع الأمني والسياسي في ليبيا اليوم من أعقد ما يمكن».
وبشأن إمكان تنفيذ السيناريو الليبي في سوريا، يجيب خلاف أن ما حصل في ليبيا جرى بتفويض من مجلس الأمن للحلف الأطلسي للتدخل ومساعدة الشعب الليبي، «لكن في سوريا، لو حدث تدخل، فسيكون تحت علم الأمم المتحدة، من خلال ما يعرف بأصحاب القبعات الزرقاء، التي يُفترض أن تكون محايدة، وألّا تحركها مصالح وأجندات خاصة كما حدث في ليبيا».
كلام يختصره خلاف بأنّ «من الصعب تكرار السيناريو الليبي في سوريا، لأنه من الصعب التمييز بين الطرفين، ثانياً لأن الأراضي السورية جميعها تحت سيطرة الجيش والنظام السوري، وهو ما يعني أن التدخل العسكري الدولي سواء جواً أو بحراً سيعني سقوط آلاف الضحايا»، هذا إضافة إلى استبعاد حصول هذا التدخل لأسباب لها علاقة بطبيعة الجغرافيا والديموغرافية السوريتين المختلفتين جذرياً عن ليبيا.