الرباط | مرت سنة على 20 من فبراير المغربي، كأنه الأمس. مرت الأحداث بسرعة رهيبة مليئة بالذكريات والمحطات من مسار الحراك المغربي، ذكريات شباب قرر أن يثور على الوضع الفاسد ويحطم القيود المفروضة على الكلام والتعبير. إنها ثورة على الطريقة المغربية ما زالت تعيش مخاضها، فيما قرار الانتقال من العالم الافتراضي إلى الميدان كان تأثراً بأمواج ميادين التحرير في تونس والقاهرة وبنغازي، ورغبة في إنهاء حال السكوت القاتل، والقطع مع الوصاية. لم يكن السقف في المغرب يصل إلى حد المطالبة بإسقاط النظام، كما حدث في بلدان مجاورة، حيث استبدل الشعار الشهير «الشعب يريد إسقاط النظام» بشعاري «الشعب يريد إسقاط الفساد» و «الشعب يريد إسقاط الاستبداد»، فحدد الحراك المغربي سقف المطالب السياسية في أن تتحول الملكية في المغرب من ملكية تنفيذية إلى ملكية برلمانية على غرار الملكيات الأوروبية العصرية، إضافة إلى المطالب الاجتماعية المذكورة كحل توفيقي.
يعترف «الثوريون» بأن النظام قد يكون سجل عليهم نقاطاً كثيرة، لقد استطاع أن يمرر «دستوره» و«يجري انتخاباته» وينصّب حكومته الإسلامية بمباركة العالم، الذي أطنب في الإشادة بالنموذج المغربي في الانتقال الديموقراطي السلس. لم تكن معركة متساوية لا إعلامياً ولا لوجستياً، نجحت الدولة في إحداث نوع من الانقسام بين المكونات المختلفة للحركة، بعد الخطاب الملكي المغربي في التاسع من آذار الماضي، وطفت إلى السطح التناقضات الإيديولوجية بين الإسلاميين واليساريين، التي حولت الحراك إلى حلبة من الصراع الداخلي.
تعاملت الدولة بنوع من الذكاء في البدايات الأولى للحراك، حينما قررت أن لا تستخدم العنف الدموي لإخماده، والتعامل معه كأنه مجرد نوبة عرضية عابرة، معتمدة على تردد الفئات الشعبية والعمال في الانضمام إلى الاحتجاجات، مستندة في ذلك إلى البيروقراطية النقابية ورجالها داخل مختلف الهيئات العمالية والأحزاب السياسية، لكنها سرعان ما استبدلت اليد الممدودة بالعصا والاعتقالات، مستفيدة من تشتت النضالات.
لكن الإيجابيات أكثر من السلبيات، أخطاء البدايات وميزان القوى الذي يميل لصالح النظام لا يمكن إلا أن يحفظ للحركة إنجازاتها في تحريك الراكد والساكن، حتى إن قادة حزب «العدالة والتنمية» الفائز في الانتخابات الأخيرة يعترفون بأنهم لم يكونوا ليحققوا فوزهم الكاسح لولا اندلاع ربيع المطالبة بالتغيير في المغرب. فالحقوقي المغربي، مصطفى المنوزي، يرى أنّ من الصعب تقويم حركة 20 فبراير، فهي حركة «دائمة». ويقول إن «المهم أن الحركة أعادت الاعتبار إلى الحق في الاحتجاج والتعبير والمحاسبة في انتظار التأسيس للمشاركة من داخل المؤسسات، والتمرّن على الديموقراطية من خلال التعبير السلمي والحضاري في الفضاء العمومي، والمنافسة الشرعية في المجال السياسي المغلق، هذا ما ينبغي تأصيله وتسييده كقيمة لتدبير وتأطير ثقافة الاحتجاج».
الناشط في الحركة ادريس بيكلم، يعتقد في حديث لـ «الأخبار» أن «الحركة استطاعت منذ نشأتها التأسيس لروح جديدة في العمل السياسي، من خلال تنزيل المطالب الشعبية الملحة كالديموقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية إلى الشارع، عن طريق اختيار التظاهر السلمي». وتابع أن «الحركة استطاعت تحرير المواطن المغربي من عقدة الخوف، وإعادة الاعتبار إلى العمل الجماهيري، وأصرت على المدخل الدستوري كشرط للانتقال الديموقراطي». ويتفق بيكلم مع التحليلات التي ترى أن «الحركة ستمضي قدماً وبإصرار حتى تحقيق كافة مطالبها».
يوم أمس نزل مناصرو الحركة إلى الشارع مجدداً في عدد من مدن المغرب، هم هنا ليرسلوا رسالة مفادها أنهم لن يتوقفوا في وسط الطريق، ليس لأنه لا شيء يعجبهم كما محمود درويش، لكن لأن الليل لم ينجل بعد، والشعب يريد الحياة، يؤمنون بما قاله غسان كنفاني بأنهم قد يكونون مدافعين فاشلين عن القضية، لكن القضية العادلة لن تتغير رغم أن الخوف عاد لينصب نفسه سيداً من جديد.