الجزائر | سمحت السلطات الجزائرية أخيراً بتأسيس ما يقارب 20 حزباً جديداً تستعد لخوض انتخابات أيار البرلمانية. هذه الأحزاب كلها شظايا من تفجيرات وقعت في أحزاب أخرى كانت قائمة، لا يوجد أي جديد فيها، لا في البرامج ولا في الأشخاص. وتلغيم الأحزاب في الجزائر حالة دائمة، وأشهرها تلك التي فجرت الجبهة الإسلامية للإنقاذ وحزب الطليعة الاشتراكية الماركسي وحركتي النهضة والإصلاح، فضلاً عن 8 انقلابات في جبهة التحرير.
وطالما سعت أروقة أجهزة الأمن إلى تمزيق أكثر القوى التي أرّقت السلطة في الجزائر، وهذه القوة هي حزب الطليعة الاشتراكية، وريث الحزب الشيوعي الجزائري. فقد كان الحزب يملك أكبر عدد من الأتباع في الجامعات ويتحكم في الحركة النقابية بأكبر المصانع، وينتمي إليه معظم الكتاب والمثقفين وكان له دور كبير في بعث برنامج تنموي شامل حين تحالف مع من كانوا يسمّون «الديموقراطيين الثوريين» في النظام بقيادة الرئيس الراحل هواري بومدين.
اليوم أصبح حزب الطليعة الاشتراكية مقسماً إلى أربعة كيانات كلّ منها يدّعي أنه الأصيل وأنه وريث الفكر الثوري وغيره مجموعات منحرفين. الصراع في قيادة الحزب بدأ في مؤتمر عقد في العاصمة انتهكت فيه أسس الديموقراطية بتجاهل إرادة المؤتمرين ونتائج انتخابهم للقيادة، وامتد إلى الكوادر الوسطى والقواعد، وأدى إلى انسحاب الجيل الجديد من الصحافيين من الجريدة، ولم يبق واحد منهم، فتوقفت عن الصدور. في المقابل، أسس فريق من القياديين «الجبهة الجزائرية المعاصرة»، بقيادة عبد القادر شرقو، وأسّس آخرون بزعامة عبد الحميد بن زين «الحزب الجزائري للديمقراطية والاشتراكية» وفريق ثالث ألّف «حركة التحدي»، فيما الأمين العام للحزب الصادق هجريس وقليل من المتعلقين به شدّوا الرحال إلى فرنسا ومنها حاولوا وفشلوا في تأسيس تنظيم جديد.
بعد الانفجار الذي حلّ بـ«حزب الذكاء»، ندم جميع الأفرقاء وأحسّوا بغفلتهم بعدما حصدوا الخراب، وأدركوا أن الأجهزة الرسمية وراء عملية الهدم، وأن النتيجة كانت في مصلحة الإسلاميين.
ولم تكتف أجهزة الأمن بما حل بحزب الطليعة، بل أكملت عملها بسحب البساط من تحت أقدام عبد الله جاب الله، مؤسس حركة النهضة، بعدما قادته إلى الفوز بـ34 مقعداً في البرلمان عام 1997. فقد ثار عليه قياديون ونواب، وأزاحوه من المنصب، وجرّدوه من العضوية في الحزب، وكوفئ المتمردون من وزارة الداخلية بتمكينهم رسمياً من وراثة الحزب بكل ممتلكاته، وعُين بعض منهم في مناصب حكومية. وعاد جاب الله فأسس «حركة الإصلاح الوطني» عام 1998، وخاض بها الانتخابات البرلمانية لعام 2002، ونال 43 مقعداً، وصار حزبه أكبر تشكيلة إسلامية في البلاد، لكن بعض معاونيه انقلبوا عليه أيضاً بمساعدة وزارة الداخلية، وجُرّد مجدداً من العضوية، فيما كوفئ خصومه بالمناصب. وسيشارك الرجل في انتخابات أيار المقبل بحزب جديد يحمل اسم جبهة العدالة والتنمية.
وخلال 50 عاماً من الاستقلال، تغيّر المسؤول الأول في جبهة التحرير الوطني ثماني مرات، لم يحدث أبداً أن حصل ذلك بسلاسة أو من خلال انتخاب ومنافسة ديموقراطية، فكل من تغيّروا سقطوا بانقلابات داخلية تُعدّها عادة أجهزة الأمن. وآخر انقلاب كان في خريف عام 2003 على رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس الذي كان في الوقت نفسه أميناً عاماً للحزب، حيث رفضت السلطات نتائج مؤتمر انتخبه أميناً عاماً لفترة ثانية، ودعمت مجموعة معارضة بقيادة عبد العزيز بلخادم، الأمين العام الحالي، فأطاحته لأنه تجرّأ على الترشح منافساً للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات نيسان 2004 الرئاسية. ويسود الاعتقاد بأن تكون الأحزاب التي تأسست حديثاً أيضاً مفخخة، فتطلق شظايا تتحول إلى أحزاب جديدة أخرى.