يحار المرء في طبيعة المعايير والمقاييس التي يعتمدها مستشار وزير الدفاع السعودي والمتحدث باسم العدوان أحمد عسيري، حين يكرر الحديث عن أن 90% من الأراضي اليمنية أصبحت «محررة» وجرى تسليمها إلى سلطة «الشرعية». فمنذ الإعلان عن المفاوضات التي جرت على الحدود بين حركة «أنصار الله» والسعودية وأفضت إلى تهدئة حدودية، انبرت الدعاية الخليجية للإعلان عن «الانتصار». وتصدرت الصحف الخليجية عناوين عريضة عن «استسلام الجيش واللجان الشعبية» ورفعهم «الراية البيضاء»، مثلما عنونت صحيفة «الشرق الأوسط». واستُغلت مفاوضات الحدود في التوجيه السياسي والإعلامي في اتخاذها سلّماً للنزول عن الشجرة التي صعدت إليها دول الخليج في اليمن.
ذلك بالرغم من أن ما حصل بين «أنصار الله» والرياض «شكليّ» ومجرد تهيئة لوقف العدوان الشامل، ولم يتطرّق لجوهر القضايا بين الطرفين، كما أن ما عرضه المبعوث الدولي في اليمن اسماعيل ولد الشيخ في زيارته الأخيرة إلى صنعاء عن بدء مفاوضات جديدة، لا يختلف عن عروضه في المرات السابقة. وكل النقاط المطروحة تحتاج إلى اتفاق الطرفين، كما أن مكان المفاوضات الذي حدد في الكويت لم يلقَ بعد جواباً من «أنصار الله». وكل ما في الأمر أن صنعاء وافقت على مبدأ الحوار بعدما كانت تشترط وقف إطلاق النار قبل المفاوضات، فأعلن ولد الشيخ الهدنة قبل أسبوع من بدء المفاوضات كحلّ وسط.
يتعاطى الإعلام
مع الشأن اليمني
كأنه استفاق من غفلته

وردّت صنعاء على ادعاءات «التحالف الخليجي» التي تتمحور حول الشكل، بفعل جوهري وهو الخروج بتظاهرات مليونية في ذكرى مرور سنة على بدء العدوان من قبل جناحي المواجهة («أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي العام») وعموم الشعب اليمني.
غير أن المراقب للمشهد، يتفهم حاجة حكام الخليج لاختلاق سرديّة تؤكد صوابية مشاركتهم في «عاصفة الحزم». على سبيل المثال، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش إن «الحوثيين وصالح أصبحوا محاصرين سياسياً وعسكرياً، وإن رقعة سيطرتهم تتضاءل»، مؤكداً أن «أسطورة الجبال والتضاريس الصعبة تفككت، ما ألجأ صالح إلى التظاهرات المليونية». وأضاف قرقاش عبر «تويتر»، أنه «برغم توقعات المشككين والمراهنين، فإن تحالف الملك سلمان يكسب الرهان»، وأن «أسطورة الجبال المستحيلة تهزمها الإرادة السياسية لقيادتنا وتضحية أبنائنا». وهنا يصبح واجباً السؤال عن أي جبال وتضاريس يتحدث قرقاش، في وقت لا تجرؤ فيه القوات الإماراتية على الخروج من مقرّها في البريقة في عدن.
وبنظرة سريعة إلى التوزع العسكري على الخريطة اليمنية، يمكن ملاحظة أن محافظة حضرموت التي تمثل ثلث مساحة اليمن (191 ألف كلم)، يسيطر عليها «القاعدة» ويتخذ من مدينة المكلا مقراً له لعموم اليمن. إلى جانب سيطرته خلال الأشهر الأخيرة على محافظتي أبين ولحج بالكامل، ومعظم الساحل الجنوبي.
أما الشمال الذي يضم 17 محافظة، ويضمّ الكثافة السكانية الأكبر، فيسيطر الجيش و«اللجان» على 13 محافظة كاملة منه. أما محافظات تعز ومأرب والجوف فتتوزع السيطرة فيها على النحو الآتي:
تسيطر المجموعات المسلحة التابعة لحزب «الاصلاح» وللرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي والقوى السلفية و«القاعدة» على ثلاث مديريات من أصل 21، فيما تقع باقي المديريات تحت سيطرة الجيش و«اللجان الشعبية». أما محافظة مأرب، فيسيطر الجيش على مرتفعاتها، فيما يسيطر حزب «الاصلاح» على مأرب المدينة، مركز المحافظة. وفي الجوف يسيطر «الإصلاح» على مدينة الحزم، فيما يحيط الجيش بها من ثلاث جهات.
وعلى المستوى السياسي، يواصل «التحالف» خسارته، إذ إن موقف الرأي العام العربي والدولي وكثير من دول العالم تغيّر إزاء العدوان. وتشهد بيانات منظمات حقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية على هذا التحول، إذ باتت تتهم بصورة مستمرة السلطات السعودية بارتكاب جرائم حرب بحق الشعب اليمني. حتى إن شركات العلاقات العامة التي كانت تتقاضى المال السعودي مقابل تلميع صورة الرياض، أصبحت تشعر بـ«العار» من فعلتها، مثلما حصل مع شركة «كورفيس»، إحدى الشركات المتفرعة من مجموعة «بابليسيز» وهي من أكبر شركات الدعاية والإعلان العالمية، التي تعمل مع السعودية منذ عشر سنوات. تلك الشركة حذفت أجزاء من سجلاتها بعد اتهامات وجهتها إليها جماعات مهتمة بحقوق الانسان. حتى إن أصدقاء السعودية الغربيين يتبرأون في الكواليس من عدوانها، مثلما فعلت إحدى الدول الكبرى حين أرسلت عبر سلطنة عمان رسالة للقيادة اليمنية بهذا الشأن.
أما الإعلام ومراكز الدراسات والابحاث العالمية، فتتعاطى مع الشأن اليمني، وكأنها استفاقت من غفلتها وصارت تتلو «فعل الندامة» جراء وقوعها في فخ التضليل. وبدأت هذه الوسائل تنشر تقارير ضد الحرب السعودية، ما مثّل ضغطاً على المنظمات الدولية، وأدى إلى توصية البرلمان الأوروبي بحظر تصدير السلاح إلى الرياض، وحثّ أوساط سياسية وحقوقية في الغرب على رفع الصوت ضد انتهاكات الرياض في اليمن وضد الدعم الغربي للحرب.