منذ فترة ليست بقصيرة، تحذّر منظمات دولية عديدة من أنّ العراق سيفقد نصف مياه أنهاره خلال السنوات الثلاث المقبلة، بسبب شبكة السدود التركية العملاقة على نهري دجلة والفرات، وأيضاً بسبب المشاريع الإيرانية لتحويل مياه عدد كبير من روافد نهري دجلة وشط العرب إلى الداخل الإيراني وقطعها عن العراق. من جهتها، تنوي سوريا البدء بتنفيذ مشروع ضخم، بتمويل كويتي، لسحب كميات كبيرة من مياه دجلة وتوجيهها إلى العمق السوري.
أخطر تحذير في هذا الصدد جاء من «منظمة المياه الأوروبية» على شكل تقرير، وكان يُتَوَقَع أن يكون له وَقْع الصاعقة في العراق، لكنه مرَّ مرور الكرام على الرسميين وغير الرسميين. التقرير الأوروبي أفاد بأنّ «جفاف نهر دجلة وتلاشيه بالكامل سيحل في العام 2040، إذ يفقد النهر سنوياً ما يعادل 33 مليار متر مكعب من مياهه، بسبب السياسة المائية الحالية التي تتبعها تركيا، بالتالي فإنّ العراق، في حال عدم تمكنه من إبرام اتفاقات دولية تضمن حصصه المائية بشكل كامل، مقبل على كارثة حقيقية».
مصدر مسؤول في وزارة الموارد المائية، أكد وجود هذا التقرير الخطير، وأشار إلى أن الجهة التي أعدّته هي «المنظمة الدولية للبحوث». وتابع المسؤول العراقي أن التقرير «تحدث عن تناقص حاد في الحصص المائية الواصلة ضمن حوض نهر الفرات أيضاً»، منوهاً إلى أنّ «الواردات النهائية للنهر لن تكفي لتغطية الاحتياجات، الأمر الذي يؤدي إلى خسارة العراق موارد النهر بالكامل».
إنّ إلقاء نظرة على الفقرة التالية من تقرير رسمي آخر، منشور على الموقع الالكتروني لزعيم قائمة «العراقية» إياد علاوي، يعطي فكرة عن حجم الاستهتار التركي ودوسه على الحقوق المائية للعراق، وعلى تقاليد حسن الجوار بين البلدان الإسلامية. ويقول التقرير إن «إيراد العراق من المياه لغاية عام 1990 وصل إلى قرابة 45 مليار متر مكعب لكلا النهرين، دجلة والفرات، وما أنْ استكملت تركيا بناء 6 سدود أكبرها سد أتاتورك كجزء من مشروع إحياء شرق الأناضول (الغاب) المؤلف من 21 سداً، منها 17 سداً تقام على نهر الفرات و4 سدود على نهر دجلة، حتى انخفضت إيرادات النهرين إلى 28 مليار مكعب سنوياً». ويتابع أنه «في عام 1998، كانت مساحة الأراضي الزراعية في العراق التي تصلها مياه الري تبلغ 5,9 ملايين دونم، ولكنها انخفضت إلى400 ألف دونم فقط في عام 2009». مراقبون تساءلوا عن السبب الذي جعل علاوي يحجم عن التطرق علناً ورسمياً لهذه الكارثة الموثقة بالأرقام، ويكتفي بنشرها على موقعه الرسمي، فيما لا يكاد يمر يوم دون أن يدلي بتصريح يتعلق بأبسط الأمور، كمنصب رئيس «مجلس السياسات العليا».
وفي السياق، نشر وزير التخطيط السابق، علي بابان، مقالاً متشائماً حول الموضوع نفسه، جاء فيه «عندما جئتُ أكتب مقالي هذا عن انحسار دجلة والفرات والنتائج الكارثية التي ستترتب على ذلك، فكرت بعنوان: سيناريو يوم القيامة في العراق! ثم استبدلت العنوان بـ: العراق... الزلزال القادم، لكنني وجدته لا يقل تشاؤماً عن سابقه، ثم وقع اختياري على: البكاء عند أنهار تحتضر». وأشار بابان إلى أن كلامه «ليس مرثية لدجلة والفرات، بل جرس إنذار للعراقيين جميعاً ليدركوا بشاعة السيناريو الذي نسير باتجاهه ونتائجه الخطيرة على جميع مناحي حياتنا، وهو ما لم يعد بعيداً عنا، بل بات قريباً بما انه يفصلنا عن عام 2040 أو 2035 سنوات قليلة لا تُعدّ شيئاً في عمر الأمم والشعوب».
ومن المعلومات المهمة التي يوردها الوزير بابان، أن سد «أليسو» التركي المقام على نهر دجلة سيحرم العراق من ثلث أراضيه الزراعية، وسيعجز الاقتصاد عن توفير الغذاء لـ35 مليون عراقي حتى لو وجه عائدات النفط كلها لإطعام مواطنيه». أحد الصحافيين علّق على مقال الوزير بابان بالقول «إذا كان الوزير عاجزاً عن القيام بأي شيء لإنقاذ الرافدين، ولجأ إلى سلاح المقالات ليرثيهما، فما الذي نستطيع فعله نحن الصحافيين؟».
وأشار محللون إلى أن الدافع الحقيقي لتشكيل «المجلس الوطني الأعلى للمياه» قد يكون فشل المفاوضات الماراتونية التي أدارتها الحكومة العراقية مع السلطات التركية والسورية طوال السنوات الماضية في الوصول إلى حلّ معقول. هذا ما أكده نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، روز نوري شاويس، حين قال إنّ بلاده حاولت، ومنذ أوائل ستينيات القرن الماضي، الدخول مع الدول المتشاطئة، أي تركيا وسوريا، في مفاوضات ثلاثية بغية التوصل إلى اتفاق يضمن حصص البلدان الثلاثة في مياه النهرين المشتركين، إلا أنها لم تثمر لحدِّ الآن عن التوصل إلى اتفاق يحدد حصة كل دولة. كما أرجع متابعون الفشل هذا إلى إصرار تركيا على اعتبار النهرين تركيين عابرين للحدود، وليسا نهرين دوليين كما هما في الواقع الجغرافي والتاريخي.
وفي السنوات الأخيرة، حاول العراق دفع تركيا إلى إبداء بعض المرونة في هذا الملف، ولوّح لها بورقة الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية المتميزة، لكنه فشل في ذلك، ما دفع ببرلمانه إلى ربط أي تطوير للعلاقات الاقتصادية مع تركيا بملف النهرين والأمن المائي، فتجمّد سقف حجم هذه العلاقات عند 15 مليار دولار بعدما كانت حكومة أردوغان تستهدف رفعه إلى 70 ملياراً. ويعتقد محلّلون أن بإمكان العراق القيام بالكثير على هذا الصعيد بما في ذلك استخدام ورقة تصدير النفط العراقي عن طريق تركيا، والذي يعود على الاقتصاد التركي بعائدات مهمة.
وبالعودة إلى المجلس الحكومي الجديد، نعرف أن أهدافه، كما وصفها محللون، متواضعة وإنشائية عامة، وهي من قبيل «وضع المقدمات الصحيحة لإدارة ملف المياه، وبذل الجهود من أجل تغيير ثقافة اللأي المطبقة حالياً، ورسم مسار تفاوضي فعّال مع دول الجوار، يضمن قسمة مياه معقولة ومنصفة في مياه الرافدين». هذه الأهداف لم يعتبرها متخصّصون حلاً حقيقياً يجعل من المجلس الجديد جهازاً فعّالاً يواجه كارثة زوال النهرين ويمنع تحويل العراق إلى «ربعٍ خالٍ» آخر محاط بالسدود والبحيرات الاصطناعية التركية العملاقة.
خبراء عراقيون في شؤون المياه أشاروا إلى أنّ في حوزة العراق حلولاً جذرية عديدة لحل مشكلة المياه ولإنقاذ الرافدين من الزوال حتى، لكن السلطات الحكومية تهملها، إنْ كانت لا تجهل أصلاً بوجودها. من بين تلك الحلول، يقترح هؤلاء توسيع سدّ «بخمة» على دجلة وتبلغ طاقته التخزينية 18 مليار متر مكعَّب، واعتباره مشروعاً اتحادياً استراتيجياً يرفض تسييسه من قبل السلطات الكردية التي تحاول إهماله وتضييق نطاقه لاحتمال فقدان عشيرة «برازان» لأراضٍ زراعية واسعة تعود لها بسبب التوسعة. لقد توقف العمل في هذا السد بعد حرب الخليج الثانية وخروج الإقليم الكردي عن السيطرة المركزية.
وفي السياق، أفاد تقرير رفعته قيادة حزب تركماني عراقي إلى مجلس الوزراء بأنه «بعد توقف العمل في هذا المشروع الذي أنجز منه ما نسبته 35 في المئة، أهملت ونهبت الممتلكات والأجهزة والمعدات التابعة للشركتين اللتين كانتا تتوليان تنفيذ هذا المشروع من قبل بعض الفئات المتنفذة في شمال العراق، وتمّ تهريبها وبيعها خارج العراق».
المهندس المتخصص في شؤون المياه، صاحب الربيعي، اتهم السلطات الكردية صراحة بـ«محاصرة العراق مائياً خصوصاً في حوض دجلة، ليس فقط بروافده الدولية، وإنما بروافده الوطنية في المجرى الرئيس للنهر أيضاً». ونقل الربيعي عن وزير الموارد المائية السابق في الإقليم، تحسين قادر، تأكيده أن «تنفيذ مشروع سد بخمة متوقف على قرار السيد رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني». معنى ذلك أن رقبة العراق، مثلما يقول محللون، معلّقة بمصير سد «بخمة»، ورقبة هذا السد معلقة بموافقة البرزاني.
حلّ آخر يمكن أنْ ينقذ الرافدين وينهي الارتهان المائي العراقي للدول المتشاطئة، يقوم على إعادة الحياة إلى مشروع «سد وبحيرة الثرثار» الذي تبلغ طاقته التخزينية 80 مليار متر مكعب، وهي أكثر من الحاجة السنوية الفعلية للعراق، وتكفي، لو أُحسن استغلالها، لإنقاذ الفرات من حصار السدود التركية والمشاريع السورية. هذا المشروع يرتبط بمشروع آخر للتخلص من الملوحة فيه، يستغرق أربع سنوات لتدوير المياه، ثم توجيهها نحو الفرات المحتضر. الأمر الذي يبعث على التفاؤل هو أنّ مصادر مياه مشروعَي سد «بخمة» وبحيرة «الثرثار» عراقية بنسبة 95 في المئة، وتأتي من الروافد والأنهار الداخلية.



أوّل سفير سعودي منذ 1990


عيّنت السعودية، أمس، أول سفير لها في بغداد منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990، بحسب ما كشفه وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري (الصورة)، وذلك عشيّة الموعد المحدَّد لاستضافة بغداد القمة العربية في آذار المقبل. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية السعودية أسامة نقلي، إن المملكة عينت سفيرها لدى الأردن فهد عبد المحسن الزيد، سفيراً لدى العراق أيضاً، «لكنه لن يكون سفيراً مقيماً في العراق». وعلى الفور، أكدت حكومة نوري المالكي أنها ستوافق «سريعاً» على ترشيح السعودية سفيرهاً. وقال زيباري «سنوافق ونرحب بالتأكيد»، واصفاً هذا التطور بأنه «مؤشر ايجابي جداً وبادرة طيبة لتطبيع العلاقات» بين البلدين. وفي السياق، أشار المستشار الاعلامي للمالكي، علي الموسوي إلى أن «الحكومة العراقية ترحب بهذه الخطوة، ونعتقد أنها خطوة أولى، وننتظر خطوات مكملة بتعيين سفير مقيم في البلاد».
(رويترز، أ ف ب)