الخرطوم | لم تتوقع أن يأتِ أحد لزيارتها في هذا الوقت المتأخر من الليل، فمؤشر الساعة يقترب من منتصف الليل. الفضول والتوجس دفع هالة الى التحرك صوب الصالون المخصص لاستقبال الضيوف في منزلها، بعد إخطارها بأن هناك من يطلب رؤيتها. وهناك وجدت مجموعة من الشباب عرفتهم من مظهرهم الخارجي أنهم يتبعون لذلك الجهاز النظامي الذي اعتاد منتسبوه أن يسجلوا زيارات ليلية لمن يشاؤون.
وبعدما تبادل الجميع التحايا، اخبروها معتذرين أن هناك خلطاً ما، وأنهم يبغون هالة أخرى غير هالة عبد الحليم، رئيسة حركة «حق -القوى الحديثة» واستأذنوا فوراً بالخروج، لتترك تلك الزيارة الليلية في ذهن المعارضة السودانية علامة استفهام. وأوضحت هالة، في حديثها لـ«الأخبار»، أن من استفتتهم في أمر زوار منتصف الليل افتوها بأنهم لا محالة قد وضعوا أجهزة تنصت في الصالون خاصتها، وأن عليها أن تأتي بأحد الفنيين في مجال التقنية ليبحثوا عن تلك القطع الصغيرة وينزوعها، لكنها لم تستمع الى النصيحة وفضلت مبدأ الصمت إزاء الموضوع. لكن الموضوع تكرر معها مرة أخرى وبصورة شخصية أيضاً عندما أوقفتها دورية لشرطة المرور في الشارع العام طالبين منا أن تترجل لتتحدث مع أحد افراد القوة الذي كان يقف بعيداً عن سيارتها. ذهبت هالة لتتحدث إليه، وفي اثناء ذلك كان الثلاثة الباقون منهمكين في البحث والتنقيب داخل سيارتها. بعد برهة سمحوا لها بالمغادرة لتترك تلك الحادثة شبه يقين لديها بأنها الآن أضحت مراقبة في السيارة وفي المنزل.
هذه الحادثة استعادتها هالة وهي تستمع لإعلان زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض، حسن الترابي، عن اكتشاف أجهزة تنصت في مقر الحزب، وترجيحه زراعة أجهزة مماثلة في صالونه الخاص وسيارته، الأمر الذي ألقى بظلال سالبة على بقية أحزاب المعارضة.
واللافت في توقيت الحادثة أنها تأتي في ظل تنامي الشعور لدى الشارع العام بعدم قدرة الأحزاب والقوى السياسية المعارضة السودانية على اسقاط الحكومة القائمة الآن، بل وعدم قدرتها على تنظيم صفوفها والاستفادة من القاعده الشعبية التي تحتاج الى من يقودها. إلا أن المؤتمر الوطني، الذي تحدى مراراً المعارضة علناً إن كانت تستطيع اطاحته، يبدو أن لديه في الخفاء توجساته منها وإن أظهر خلاف ذلك. وهو ما دفع الأجهزة الأمنية في بداية كشف المؤتمر الشعبي عن هذه الفضيحة إلى منع وسائل الاعلام السودانية من التطرق إلى الحادثة. كذلك عمدت إلى مصادرة الصحف التي تحدت أمر منع النشر، قبل أن تعود الأجهزة أمس لتسمح بنشر خبر مفاده نفي المؤتمر الوطني علاقته بوضع اجهزة تنصت على مكتب او سيارة الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض حسن الترابي، تاركةً الأمر لفطنة القارئ ليستوعب أين ومتى قال الترابي هذا الحديث.
عن هذه التطورات، أكد نائب رئيس حزب الأمة القومي، فضل الله برمه ناصر، أن التنصت وانتهاك الحريات عملية غير أخلاقية ومخالفة للقانون، مشيراً إلى أن الاستهداف واحد، وأن ما حدث للمؤتمر الشعبي سيحدث لغيره من الاحزاب. ولم يستبعد وجود أجهزة تنصت في مقر حزب الأمة أو غيره من الأحزاب. وشدد، في حديث مع «الأخبار»، أن «الامكانات التقنية الحديثة التي يمتلكها المؤتمر الشعبي مكنته من اكتشاف أماكن أجهزة التجسس». وأضاف: نحن في حزب الأمة ندين هذا السلوك «الذي يدحض ما ظلت تروج له الحكومة من ضعف المعارضة، كما يعتبر خير دليل على خشية الحكومة منها».
من جهته، اعتبر الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، كمال عمر، أن عملية التجسس التي اكتشفها حزبه تشير إلى أن النظام لم يعد له سقف في التسلط والطغيان. وأوضح أن الحكومة إذ تفعل ذلك فإنها تكون قد تجاوزت كل سقوف الخصوصية التي أقرها الدستور السماوي ودستور الأرض، معتبراً أن أخطر ما في هذا السلوك أنه يفتح باباً للفتنة. وبدا خلال اليومين الماضيين، أن المعارضة كانت تنتظر تلك الفرصة من الحكومة لتنفض عنها الغبار، معلنةً أنها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه تمادي الحزب الحاكم في انتهاك حقوق المواطنين وأن الشارع يجب أن يتحرك.
وفي السياق، شدد الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي على أن النظام يخشاهم ويريد جمع المعلومات عن تحركاتهم وافعالهم لأنهم ينادون بإسقاط الحكومة. وقال لـ«الأخبار»: «لا بد من محاكمتهم سياسياً لأن الشعب لن يصمت ونحن ايضاً لن نصمت». وأضاف «لا بد من تعبئة الشارع للبرنامج الذي نطرحه لاسقاط النظام، كما لا بد من التشاور مع بقية القوى المعارضة من أجل الاتفاق على خطوة اسقاط الحكومة».