القاهرة | «لم تستفد من الدروس والعِبر»، لم تجد منظمة العفو الدولية أبلغ من هذا التعبير الموجّه إلى السلطات المصرية، في بيانها أول من أمس، بعد أكثر من سنة مضت على اندلاع ثورة 25 كانون الثاني. الإفراج عن الناشط عمرو البحيري من سجنه الذي قضى فيه أكثر من عام، على خلفية حكم صدر بحقه من القضاء العسكري، لم يغيّر شيئاً في رأي المنظمة التي قالت إن الإفراج عنه بعد عام دليل صارخ على أن المحاكم العسكرية لن تجلب أبداً العدل للمدنيين.
وكان القضاء العسكري الذي حاكم 11879 مدنياً بعد الثورة، وفقاً لتصريحات رئيسه عادل مرسي، قد خفف الحكم على البحيري في 15 شباط من خمس سنوات إلى ستة أشهر، بعدما أسقط عنه، بناءً على طعن تقدم به، تهمة الاعتداء على عضو في القوات المسلحة خلال اعتصام في التحرير كان يطالب بإقالة حكومة أحمد شفيق، وقد أُلقي القبض على البحيري أثناءه، «أي إنه قضى سنة كاملة في السجن عقاباً على كسر حظر التجوال فقط».
وقالت المنظمة، في تقريرها الذي حمل عنوان «مصر: إخفاق منهجي في كبح جماح قوات الأمن»، إن « قوات الأمن المصرية تعكف على قتل المحتجين، مستخدمةً التكتيكات والأساليب الوحشية ذاتها التي لجأت إليها أواخر عهد حسني مبارك. ويأتي هذا التصريح في أعقاب توصل المنظمة إلى استنتاج مفاده قيام قوات مكافحة الشغب مرة أخرى باستخدام القوة المفرطة خلال محاولتها حفظ الأمن، أثناء احتجاجات القاهرة والسويس».
وأضاف التقرير أن قوات الأمن المركزي التابعة لوزارة الداخلية مسؤولة عن مقتل 16 وإصابة المئات بجروح، بعدما «لجأت خلال الفترة ما بين 2 و6 شباط إلى استخدام القوة المفرطة، بما في ذلك استخدام الأسلحة النارية، أثناء تفريقها للاحتجاجات الغاضبة». وقدّرت عدد من قتلوا على أيدي قوات الأمن المصرية بأكثر من مئة متظاهر خلال الشهور الخمسة الماضية فقط.
وذهب التقرير إلى القول «بل إن المسؤولين المصريين يصرّون على مواجهة الأدلة التي تثبت استخدام تلك القوات للخرطوش والذخيرة الحية بالإنكار»، في إشارة إلى إصرار وزير الداخلية، محمد إبراهيم، على نفي استخدام الخرطوش في مواجهة المتظاهرين أمام مقر وزارته في وسط القاهرة. ودعت مجلس الشعب إلى «التحرك على نحو عاجل بغية التصدي للإصلاحات التي طال انتظارها في ما يتعلق بطريقة تعامل قوات الأمن مع مسألة حفظ الأمن خلال التظاهرات».
وكانت مشادة قد نشبت بين عضو مجلس الشعب عن حزب المصريين الأحرار، محمد أبو حامد، ورئيس المجلس، محمد الكتاتني، حين رفع الأول يده بطلقات خرطوش فارغة، مشيراً بذلك إلى استخدام الشرطة لها، فأصرّ الثاني على نقل نفي وزير الداخلية.
ولم يوجه المجلس الاتهام لأي طرف عن قتل المتظاهرين عند وزارة الداخلية، على الرغم من أن وزير الداخلية كان قد أعلن صراحة في كانون الثاني عن مكافآت سيحصل عليها أفراد الشرطة نظير إطلاق النار على «البلطجية»، وهو الوصف نفسه الذي نعتت به وسائل الإعلام الرسمية المتظاهرين أمام مقر الوزارة لاحقاً، فيما كلف مجلس الشعب لجنة الشؤون الدستورية بمسألة البحث في إمكان تحميل وزير الداخلية المسؤولية عن أحداث بور سعيد، لكن لم يصدر عن اللجنة رأي إلى الآن.
وأعاد تقرير منظمة العفو نكء الجراح؛ فأوضاع حقوق الإنسان بعد الثورة، تلك التي كان ينشدها الثوار «عيش، حرية، كرامة انسانية»، لم يتحقق أيّ منها. وكان تقرير للمنظمة قد خرج في 17 شباط ليحثّ «الجيش المصري على اتخاذ إجراءات لوقف استخدام التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة بحق المعتقلين، وسط ظهور أدلة جديدة على إساءة المعاملة، بعدما أبلغ معتقلون سابقون منظمة العفو الدولية أنهم تعرضوا للتعذيب، بما في ذلك الضرب بالسياط والصعق بالصدمات الكهربائية، عقب اعتقالهم من قبل أفراد الجيش في الأيام الأخيرة، قبل تنحّي الرئيس مبارك عن السلطة».
دعوات لم تلق آذاناً صاغية و«حلّت محل القبضة الحديدية لمبارك، من دون طول انتظار، طغمة عسكرية لا تقل هولاً عنه، تحت اسم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي ظل يفرض سيطرته على المهمات الحكومية كافة طوال العام الذي مضى»، بحسب ما قالت منظمة العفو الدولية في تقرير آخر لها صدر لمناسبة تنحّي مبارك في 11 شباط. وخلصت في تقرير كان قد صدر في 22 تشرين الثاني الماضي إلى أن «حكام مصر العسكريين نكثوا بكل ما أطلقوه من وعود للمصريين بتحسين حالة حقوق الإنسان، وعوضاً عن ذلك كانوا هم أنفسهم مسؤولين عن سجل حافل بالانتهاكات التي تخطّت، في بعض الحالات، سجلّ حسني مبارك».